W.I.T.C.H World
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

W.I.T.C.H World

witch forum
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 لم أعد طفلة_قلوب أحلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 4:57 am



ازيكم ده اول موضوع ليا في المنتدي و حابة اقدملكم رواية انا بعشقها بشكل شخص و هي لم اعد طفلة

اسيبكم مع الملخص و الفصول هتنزل ورا بعض في التعليقات

الملخص :
لم أعد طفلة
على روزي ويندهام الزواج في غـــضون ثلاثة
أشهر أو تحل الكــارثة ! ومع أنها جميلة ومحبوبة ,
فحياتهــــا خالية من رجل جاهز للزواج بهـــا , فمــا
العمـــــل ؟
كان غارد جيميسن رجلاً نـــاضجاً وجذاباً . . .
وأعـــزب , فلما لا (( تطلب يده )) ؟ .
لم يكن هناك من سبب يدفع غارد للقبول وهو
الذي طالما اعتبرهـا طفلة مضحكة , ولكنه وافق ,
وموافقته تعني أن هناك ثمناً غالياً على روزي أن
تدفعـــه !

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:00 am

الفصل الاول


أريــد زوجـــاً !

(( هل تتزوجني , غارد )) ؟ .
أخذت (( روزي )) تــــذرع أرض غرفتها , وقد توترت ملامحها ,
وانقبضت يداهـــا , كمـا أظلمت عيناهــــا الزرقاوان , الصريحتان فــي
العادة , وهي تكرر نفس الكلمات مرة بعد مـــرة بصـــوت خافت ومع
ذلك ما زالت غير واثقة من أنها ستتمكن من قولها بصوت عــال : (( هل
تتزوجني ؟ هل تتزوجني ؟ هل تتزوجني ؟ ))
ها أنها قالتها , وإن لم تبد الكلمات بالحزم والتأكيد المطلوبين .
على أي حال , اجتازت الآن الحاجز الأول , وبإمكانها إذن اجتياز
الآخــر . . . هكذا أخذت تحدث نفسها بشجاعة .
ابتلعت ريقها بصعوبة , ثم نظرت إلى التليفون القائم بجانب
سريرها : (( لا فائدة من التردد , ومن الأفضــل الانتهاء من هذا الأمر
الآن ! )) .
ولكن ليس هنا ! ليس وحدها في غرفتها المنعزلة بينما هي . . .
وحولت عينيها فجأة عن غطــاء السرير المزين بباقات الأزهار , بذوق
الفتيات الصغيرات . فقد كانت في الرابعة عشرة عندما اختارته , بينما
هي الآن في الثانية والعشرين تقريباً .
في الثانية والعشرين ! ولكنها ما زالت بالسذاجة والبساطة التي
كانت عليها . . . أو هكذا قيل لها .
شعرت بغصة في حلقها , وهي تتذكر من قال لها هذه الكلمات .
فتحت باب غرفتها , ثم أسرعت تهبط السلم . ستستعمل تليفون
الغرفة التي كانت مكتب أبيها وجدها من قبل . من الأفضل أن تقول
تلك الكلمات من غرفة المكتب تلك , فهذا يمنحها وزناً وكرامة .
رفعت السماعة ثم أخذت تدير الأرقام , توتر جسمها وهي تسمع
الرنين . ثم قالت للفتاة التي أجابتها من الطرف الآخر :
ـ أريد (( غارد جيميسين )) , من فضلك ! أنا (( روزي وندهام )) .
أخذت تنتظر الاتصال وهي تقضــم باطن شفتها السفلى
متوترة . . . وهذه عادة تملكتها منذ طفولتها وظنت أنها تجاوزتها .
ـ الأطفــال فقط يفعلون هذا , أمـــا النساء . . .
كان هذا ما حذرها منه غارد عندما كانت في الثامنة عشرة .
ثم سكت حينذاك ونظر إليها ساخراً , ما جعلها تســأله دون
تفكير : (( مــاذا تفعل النساء ؟ )) .
مال إلى الأمـــام وأشــار إلى شفتها السفلى المتورمة , ثم قال
بالسخرية نفسهـــا :
ـ النساء , يا روزي العزيزة البريئة , لا يكون هذا الأثر على
شفاههن إلا بفعل عــاشق . . .
لقد ضحك طبعاً لاحمرار وجنتيها . هذا هو غارد ! (( لو كان عاش
في الزمن القديم , لكان قاطع طريق أو قرصاناً . . . رجلاً لا يهتم
لأحد ويضع بنفسه قوانينه وأنظمته )) ! هذا ما كان يقوله جدها على
الدوام . جدها الذي كانت تشعر أنه يكن له دوماً نوعاً من العطف
رغم عدم اعترافه بذلك .
ـ مــاذا تريدين يا روزي ؟ ماذا حدث ؟
دفعتها خشونة صوته إلى تشديد قبضتها على السماعة مدركة أنه
ما زال يثير في نفسها الإضطراب . هذا رغم أنها تعلمت أثناء نضجها
كيف تتجاهل تعليقاته الساخرة التي ما زال يعذبها بها أحياناً .
لم يكن يتصرف على هذا النحو مع النساء الأخريات , بل كان
يفيض معهن إحساساً ودفئاً . لكنه , طبعاً , لا يعتبرها امرأة , وإنما
فقط . . .
ـ روزي هل ما زلت على الخط ؟ .
أعادها الضيق الذي بدا على صوته , إلى الواقع . تنفست بعمق :
ـ نعم , ما زلتُ هنا ! غارد . . . هناك شــيء يا غارد أريد أن
أســألك عنه الآن . . .
ـ لا أستطيع الكلام الآن , يا روزي ! إنني بانتظار مكالمة هامة .
اسمعـــي ! سأزورك هذه الليلة ونتحدث في ما تريدين .
شعرت روزي بالذعر , وقالت على الفـــور :
ـ لا ! لا !
تريد أن تســأله من مسافة بعيدة . إنها لا تريد أن تعرض عليه
الزواج وجهاً لوجه . وغصت بريقها , لكنه كان قد وضع السماعة فلم
تستطع إخباره بأنها لا تريد رؤيته .
عندما وضعت سماعتها , أخذت تحدق في أنحاء الغرفة بحزن .
أربعمائة عام من التاريخ تنام في هذه الغرفة من هذا المنزل الذي
أنشــئ هنا منذ وهبت الملكة اليزابيت الأولى قطعة الأرض لـ بيبرس
ويندهام , هدية مقابل خدمات أداها لها . هكذا قيل رسمياً , لكن
الشائعات حينذاك قالت إنها مقابل علاقة شخصية حميمة .
أطلق (( بيرس )) على المنزل اسم (( مرج الملكة )) اعترافاً منه بكرم
اليزابيت . لم يكن منزلاً فخمــاً , حتى ولا فسيحاً . لكنه في نظر روزي
كان فسيحاً للغاية بالنسبة إلى شخص واحد , أو حتى أســـرة
واحدة . . . خصوصاً عندما علمت أثناء عملها في الملجـــأ كم من
الناس دون مأوى وفــي حاجة ماسة إلى سقف فوق رؤوسهم .
آخر مرة طرقت هذا الموضوع مع غارد , قال لها ساخراً معنفاً :
ـ لو كان لك الخيار ماذا كنت ستفعلين ؟ تسلمينهم المنزل ؟ ثم
تتفرجين عليهم وهم ينتزعون خشب الجدران ليستعملوه حطباً في
المدفــأة ؟ تتفرجين عليهم وهم . . . ؟ .
احتدت حينذاك بغضب :
ـ هذا ليس إنصافاً ! أنت غير منصف . . .
حتى (( رالف )) , المسؤول عن الملجــأ , قال في أكثر من مناسبة
إنها غير واقعية , وإنها مبالغة في المثالية ورقة القلب , كما أن ثقتها
بالآخرين هي أكثر مما يجب . خُـــيل إليها أن رالف يميل إلى
احتقارها , إذ كان , منذ البداية , عدائياً نحوها , ساخراً من بيئتها التي
نــشأت فيها ولهجتها المميزة , مديناً ثروتها وأسلوب حياتها , مقارناً
كل ذلك بحياة أولئك القانطين في الملجــأ .
قال ذات مرة , هازئاً :
ـ إن قيامك بعمل إنساني يجعلك تشعرين بالرضى عن نفسك ,
أليس كذلك ؟ .
فــأجابت حينذاك بصدق :
ـ هذا ليس صحيحاً ! لأن أموالي , أو ثروتي كما تحب أن
تسميها , هي . . . تحت الوصاية , ولا يمكنني التصرف بها حتى لو
رغبت في ذلك . وأعتقد أنني إذا سعيت إلى عمل (( حقيقي )) , أي عمل
بأجر , أكون سلبت ذالك العمل من شخص بحاجة إليه ليعيش .
تحسنت الــعلاقة بينهما هذه الأيام كثيراً , رغم أنهما كانا شديدي
الكراهية لبعضهما البعض , والأحرى القول إن رالف هو الذي يكره
غارد , ذلك أن غارد لم يكن يعبر عن مشاعره تجاه أي كان . وفي
الواقع , كان الشك يساورها أحياناً في أن غارد قد عرف حقاً المشاعر
البشرية في حياته .
إنها تعلم مبلغ كراهية رالف الذهاب إلى غارد كي يطلب مساعدة
مالية للملــجأ , لكن غارد كان أغنى رجل في المنطقة , وأعماله أكثر
الأعمـــال رواجاً .
قال لها أبوهـــا ذات مرة :
ـ إنه مزيج نادر جداً ! إنه مقاول ناجح للغاية , كما أنه رجل نزيه
وذو مثل عليا !
أمـــا رالف فكان يدعوه (( بغلاً متعجرفاً )) .
ـ جذاب !
همست بذلك إحدى زميلات روزي القديمات في المدرسة
عندما جاء لزيارتها . كانت متزوجة , وقد سئمت زوجها على ما
يبدو . فقد نظرت إلى غارد بنهم مكشوف لم تجده روزي محرجاً
فحسب , بل مذلاً أيضاً . كانت سارا , بنظراتها المحرقة التي أخذت
تلقيها على غارد باستمرار , والتلميحات والإيماءات المكشوفـــة ,
وبعض الملامسات المتعمدة , تبرز , بشكل ما , عدم نضج روزي ,
مبررة بذلك ما اعتاد غارد أن يوجهه إليها من انتقادات ساخرة .
هي تعلم جيداً أن غارد يظنها ساذجة غافلة . . لا بأس ! فلتتحمل
تعليقاته وسخريته المربكــة , والمؤلمة أحياناً , لكنها سبق وعاهدت
نفسها منذ زمن طويل ألا تندفع في علاقة غرامية من خارج مشروع
الزواج , ومع رجل له مثل مشاعرها , رجل يحبها ولا يخجل من
الإعتراف بحبه , مــا يجعلها تتخلى معه عن تحفظاتها وتكشف له عن
الجانب العاطفي من طبيعتها .
منتديات ليلاس
إنها لم تقابل ذلك الرجل حتى الآن , وستعرفه عندما تقابله ,
لكنها غير مستعجلة , على كل حال . فهي ما زالت عذراء في الحادية
والعشرين . في الحادية والعشرين وعلى وشك عرض الزواج على
رجــل . . . ليس بالتأكيد من النوع الذي تطلبه !
نظرت إلى ساعتها , إنها الرابعة ! كانت تعلم أن غارد غالباً ما
يبقى في مكتبه فترة طويلة بعد مغادرة الآخرين . وهذا يعني أنه لن
يــأتي إليها قبل السابعة أو حتى الثامنة . كل تلك الساعات
للانتظــار ! . . . ولتهيئ نفسها لعرض الزواج ذاك ! واحمر وجهها
ضيقاً .
ماذا سيقول ؟ سيضحك منها دون شك ! كل ذلك كان ذنب
محاميها ! لو أن (( بيتر )) لم يقترح . . .
وسارت نحو النافذة وهي تتذكر آخر كلمات بيتر قبل أن يخرج :
ـ عديني بأن تسأليه , على الأقل , يا روزي .
حينذاك أجابته غاضبة :
ـ ولماذا أضحي بنفســي لأنقذ هذا البيت ؟ هذا غير ممكن حتى
ولو كنت أريده . . . أنت تعرف شعوري .
رد عليها بيتر معترضـاً :
ـ أنت تعلمين ما الذي سيحدث إذا ورثه (( إدوارد )) . سيهدمـه
بالتأكيـــد وهو يشعر بالسرور .
ـ وأيضــاً ليعود إلى منزل جدي . نعم , أعلم هذا .
كان إدوارد ابن عم أبيها . وقد تشاجر مع جدها قبل أن تولد
روزي بوقت طويل , شجاراً خطيراً بسبب سلوكه والمال , كان من
نتيجته أن منعه الجد من وضع قدمه في هذا المنزل مرة أخرى .
لكل أسرة نعجتها السوداء , كما يقال , وأسرتهم غير مستثناة من
ذلك . حتى وهو في منتصف عمره الآن , وبالرغم من مظهره المحترم
وزواجه , ثمة شــيء غير سار في شخصية إدوارد .
قد لا يكون تجاوز القانون في معاملاته المالية , ولكنه بالتأكيد
تجاوز حدوده تحت ستار الظلام غير مرة , كما اعتاد أبوها أن يقول
أبوهــا . . .
أشاحت روزي بوجهها عن النافذة , ونظرت نحو الـمكتب .
كانت صورة أبيها الفتوغرافية ما زالت فوقه . صورة أخذت له بالبذلة
العسكرية قبل موت أخيه الأكبر بوقت قصير .
لقد ترك الجيش , حينذاك , وعاد إلى البيت ليكون بجانب
أبيه . . . ولم يكن هو نفسه غريباً عن الموت منذ وفاة والدة روزي .
كان المنزل (( مرج الملكة )) يعني الكثير بالنسبة إلى أبيها
وجدها . كانت هي تحب البيت طبعـــاً ــــ ومن ذا الذي لا يحبه ؟ ــــ وإنما
دون شعــور بالتملك .
لم يكن ما شعرت به وهي تجول في حجراته , هو الزهو , وإنمــا
الشعــور بالذنب .
يا ليت الأمــور كانت غير ما هي عليه الآن ! يا ليت إدوارد غير ما
هو عليه ! إذن , لغادرت هذا المنزل بسهولة وسرور واشترت أو
استأجرت لنفسهــا شقة صغيرة في المدينة ومنحت كل وقتهـا واهتمامها
للعمل في الملجـــأ .
ولكن كيف بإمكــانها أن تفعل ذلك الآن ؟
لقد حذرهــا بيتر حينذاك , قائلاً :
ـ سيهدم إدوارد المنزل . سيجمع أولاً كــل ما يستحق البيع من
محتوياته ثم يهدمه حجراً بعد حجر , ثم يبيع الأرض لأحد أصدقائه
المقربين الذي سوف . . .
قاطعته محتجــة :
ـ كلا ! لا يمكنه القيام بذلك . المنزل مسجــل تراثياً و . . .
ـ حسب معرفتي بإدوارد , لن يصعب عليه أبداً العثور على من
يدعي أن البنائين أساوؤا فهم التعليمات التي أعطيت لهم . هل تظنين
أن هذا البيت سيصمد طويلاً عندما يهاجمه نصف (( دزينة )) من الرجال
مع (( بلدوزراتهم )) ؟ وطبعاً , لن تكون لإدوارد أية صلة بما حدث ! إنه
يكره جدك , يا روزي , وهو يعلم كم كان هذا المنزل غالياً عليه وعلى
أبيك .
قالت روزي متنهدة :
ـ كثيراً جداً ! لا , يا بيتر , هذا المكان أكبر من أن تسكنه أســرة
واحدة , مهما يكن مقدار جماله . . . آه ! لماذا لم يستمع جدي إلــي
ويسجله مؤسسة خيرية ؟ لماذا لم يفعل ذلك ؟ .
ـ أنت إذن لا تهتمين بما يحدث للمنزل ؟ إلا يهمك أن يرثه
إدوارد ويدمره . . . يدمـر أربعمئة عام من التاريخ ؟ .
قالت متبرمـــة :
ـ طبعاً يهمني ! ولكن ماذا بإمكاني عمله ؟ إنك تعرف شروط تلك
الوصية الحمقاء , التي تركها جدي , كما أعرفها : في حال وفاة ولديه
قبله , يذهب منزله ومزرعته إلى أقرب أقربائه بشرط أن يتزوج خلال
ثلاثة أشهـر من وفاته ويصبح قادراً على إنجاب وريث . لقد كتب تلك
الوصية منذ سنوات بعد وفاة عمــي توم , ولو أن أبــي لم . . .
سكتت حينذاك مختنقة بالدموع . لم تكن استوعبت بعد فكــرة
وفاة أبيها بنوبة قلبية قبل أسابيع فقط من وفاة جدها بعد إصابته
بغيبوبة توفي على أثرها . ثم قالت بــأسف :
ـ شروط تلك الوصية مكتملة جميعها في إدوارد . . .
قاطعها بيتر بهدوء :
ـ إنك أقرب أقــرباء جدك .
أجابته حينذاك , بجفــاء :
ـ نعم , لكنني لست متزوجة , ومن غير المحتمل أن أتزوج , على
الأقــل ليس خلال الأشهــر الثلاثة القادمة .
حينذاك قال بيتر بثقة :
ـ بل يمكنك عقد زواج مصلحة . زواج لغرض محدد يمكنك من
استكمال شروط وصية جدك . زواج يمكن إنهاؤه بسرعة وسهولة .
ـ زواج مصلــحة ؟
وحدقت به روزي باهتمام . بدا لها الأمر وكــأنه من إحدى
الروايات الخيالية التي تحب قراءتها . موضوع شــاعري جميل لكنه لا
يحدث في الحياة الواقعية .
ـ لا !
قالت ذلك بانفعال واستنكــار , وهي تهز رأسهــا بعنف جعل
خصلات شعرها السوداء تترامى على كتفيها . دفعتها عن وجهها
بضيق . كان شعرها آفة حياتها . . . أسود داكناً متمرداً يضج حيوية ؛
ولطالمـا دعاها جدها , وهو يدللها , بالغجرية الصغيرة . لكنها كلما
حاولت ترويضه وتنظيمه , كان يثور ويعود إلى شكله السابق , كومة
من الخصل الجعدة حالما ينغلق باب الحلاقة خلقها . وهكذا تخلت
في النهاية عن كل محاولة للسيطرة عليه .
ـ هذا مستحيل ! وحتى زواج المصلحة , يحتاج إتمامه إلى
شخصين . وأنا لا أعرف شخصــاً يقبل . . .
لكن بيتر قاطعها , حينذاك , قائلاً :
ـ أنا أعــرف .
أتراها سمعت نبرة شؤم في هذه الكلمات , أم أنها تخيلت ذلك ؟
سكتت وهي ترفع بصرها إلى وجه محاميها , بارتياب ثم سألته
بحـــذر :
ـ من ؟
ـ غارد جيميسن !
ما إن قال ذلك حتى انهارت جالسة على السلم وهي تقول
بحــزم :
ـ لا ! أبداً هذا غير ممكن ! .
لكنه تابع يقول بحماسة وكأنه لم يسمع اعتراضها :
ـ إنه اشخص الناسب تماماً ! وهو على أي حال , لا يخفي
رغبته في امتلاك هذا المنزل .
أجابت بجفاء وهي تتذكر كم من المرات كان غارد يزعج جدها
متوسلاً إليه أن يبيعه المنزل :
ـ أبداً ! إذا كان يريد هذا المنزل حقاً , يمكنه إقناع إدوارد ببيعه .
رفع بيتر حاجبيه :
ـ هيا , يا روزي ! أنت تعلمين أن ادوارد يكره غارد بقدر ما كان
يكره جدك تقريباً .
تنهدت روزي . كان هذا صحيحاً ! ذلك أن غارد وإدوارد عدوا
مصلحة قديمان . وكما قال أبوها في أكثر من مناسبة : لم تحدث بين
الرجلين مواجهة , إلا كان غارد هو الرابح .
قالت :
ـ نعم ! ومجرد معرفته بمبلغ حب غارد لهذا المنزل , يقوي رغبته
في هدمـــه .
ـ إن حديثنا يتناول فقط بعض الترتيبات العملية بينكما , أنتما
الاثنين . بعض الاجراءات الشكلية البسيطة التي تمكنك من استيفاء
شروط الوصية , وفي الوقت المناسب , يمكن فسخ الزواج . يمكنك
أن تبيعي البيت لغارد و . . .
فسألته بارتياب :
ـ في الوقت المناسب ؟ كم من الوقت يستغرق ذلك ؟ .
ـ سنة أو سنتين . . . لا أظن أن هناك شخصاً آخر تريدين الزواج
منه , أليس كذلك ؟ وإلا لما كان هناك مشكلة أو حاجة للزواج من
غارد .
قالت بحـــزم :
ـ لا يمكنني القيام بذلك , الفكرة كلها تبدو لــي كريهة منفرة .
ـ حسناً ! عليك إذن أن توطني نفسك لقبول حقيقة أن إدوارد
سيرث . لقد مضى على وفاة جدك شهــر تقريباً .
قالت متجاهلة قول بيتر :
ـ لا يمكنني القيام بذلك . لا يمكنني أن أطلب من رجـــل أن
يتزوجني , خصوصــاً غارد . . .
ضحك بيتر حينذاك :
ـ إنه عرض عملي , ليس إلا . فكـــري في ذلك , يا روزي . إننــي
أعرف تذبذب مشاعرك نحو المنزل (( مرج الملكة )) , لكنني لا أصدق
أنك تريدين أن تري إدوارد يهدمــه .
ـ لا ! لا أريد ذلك بالتأكيــد ! .
ـ ومــاذا ستخسرين إذن ؟قالت عند ذاك :
ـ حــــريتي !
عند ذلك ضحك بيتر :
ـ آه , لا أظن غارد سيتدخــل في هذا الأمر . إنه أكثر انشغالاً من
أن يهتم بما تفعلين . عديني بأن تفكري في الموضوع على الأقل , يا
روزي . إنني أفعل هذا لأجلك , لأنك إذا سمحت لإدوارد بهدم
المنزل , فلن يمكنك التخلص من الشعور بالذنب .
فسألته بجفــاء :
ـ هل تخدمني بابتزازي ؟ .
وإذ بدا عليه , حينذاك , شـــيء من الضيق , قالت :
ـ لا بأس . ســأفكــر في الأمــر .
وأخيراً , فعلت أكثر من مجرد التفكير في الأمر , كما اعترفت
روزي وهي تعود بأفكارها إلى الحاضر .
ـ المشكلة معك هي أنك أرق قلباً مما يجب أن تكونــي .
كم من المرات سمعت هذا الإتهام يوجه إليها على مر السنين !
مرات لا تحصى !
منتديات ليلاس
لكن بيتر على حق . لا يمكنها أن تدع إدوارد يدمر المنزل من
دون أن تحاول منعه , بتضحيتها بنفسها ! وارتسمت على شفتيها
ابتسامة حين التمعت في ذهنها فكرة ماكرة . يا لخيبة غارد لو أنه
تمكن من قراءة أفكارها ! كم من النساء يعتبرن , مثلها , الزواج منه
تضحية . . . ؟ لسن كثيرات . . . حتى ولا واحدة , على ما تعتقد .
حسناً إنها فتاة غريبة إذن . . . وشاذة بحيث أنها , لسبب ما , لم
تستطع أن ترى فيه أية جاذبية كسائر النساء . إنها إذن حصينة إزاء
مواهبه التي تنهار أمامها النساء . . . تنضح أعينهن رهبة وهن يهذين
بشكله المثير وعينيه الملتهبتين . . . بفمه وكتفه وجسمه , وشخصيته
المهيبة وهالة الغموض التي تحيط به .
من الغريب أن آخر شــيء كن يذكرنه هو ثروته !
حسناً , لا يمكنها أن ترى فيه ما يجذبها عاطفياً . فهو بالنسبة
إليها خنزير ساخر متغطرس لا يسره شــيء أكثر من جعلها موضعاً
للهزل .
أثناء حفلة عشاء منذ شهر واحد فقط , قالت لها المضيفة إن ابن
عمها يرغب في الجلوس بقربها أثناء العشاء . مال غارد نحو روزي ,
وكان قد سمع الحديث , قائلاً بتهكم :
ـ إذا كان يرجو أن يجد امرأة تحت هذه الكتلة الشعثاء من
الشعر , وهذا الثوب المضحك الذي ترتديه , يا روزي , سيصاب دون
شك بخيبة أمل مرة , أليس كذلك ؟ .
ولما كان (( الثوب المضحك )) الذي أشار إليه عزيزاً جداً عليها , إذ
صنعته بنفسها من قطع قماش أحضرتها من المبرات الخيرية ,
فأصلحتها وغسلتها ونسقتها بكل فخر واعتزاز ــــ إذ كان الأمر كذلك ,
فقد رمقته بنظرة بالغة المرارة وهي تقول :
ـ ليس كل الرجال يحكمون على المرأة من خلال إغرائها , يا
غارد ! .
فكان أن أجاب حينذاك , دون اهتمام بمشاعرها :
ـ هذا من حسن حظك ! لأنك , حسب الأقاويل , ليس لديك
أدنى فكـــــرة عن هذا الموضوع ! .
احمر وجهها طبعاً , ليس فقط لما قاله فهي , على كل حال , لا
تشعر بالخجل لأنها غير مستعدة لإقامة علاقات عابرة ولكن للطريقة
التي كان غارد ينظر بها إليها . . . للسخرية البادية في عينيه , وأيضاً
للصورة المفزعة التي مرت للحظة في خيالها إذ تمثلته مع إحدى
عشيقاته المغـــرمات !
نبذت هذه الصورة من ذهنها على الفور , لائمة نفسها على
خيالها الخصب وتهويماتها المزعجة .
ذاك المساء , كانت قد تابعت الجدال مع غارد , قبل أن يغادر
المنزل مع شقراء رائعة الجمال والأناقة كانت بصحبته .
كانت قالت له و هي ترفع ذقنها الصغير تحدياً :
ـ على كل حال , من الأصوب هذه الأيام عدم إقامة علاقات
عاطفية .
أجابها بلطف موافقاً :
ـ من المؤكد أن الظروف الحالية مناسبة جداً للتهرب والاختباء ,
خصوصــاً . . .
ـ خصوصاً ماذا ؟
فقال متهكماً :
ـ خصوصاُ في مثل وضعك !
ومنعتها عودة صاحبته من قول أي شــيء آخر , حينذاك .
زواج مصلحة من غارد ! ستكون مجنونة إذا سمحت لبيتر أن
يقنعها بهذه الفكرة الحمقاء . لكنه كان قد أقنعها بذلك ولم يعد
بإمكانها التراجع الآن .
هل رغبة غارد بتملك منزل (( مرج الملكة )) تكفــي لكي يوافق ؟
ـ حسناً يا روزي , ما سبب مكالمــــتك إذا كنت تسعين إلى هبة
أخرى منــي لمؤسستك الخيرية تلك ؟ عليك أن تعلمـــي أنني , حالياً , لا
أشعر بأية رغبة في العطــاء . . .
أخذت روزي تنظر إليه صامتة وهو يدخــل الردهة . كان قلبها
يخفق بقوة وكــأنه على وشك أن يخترق صدرها .
لم تتذكر أنها شعرت من قبل بمثل هذا التوتر . . . حتى ولا
عندما علم جدها بتسللها خفية في إحدى الليالي لســرقة السمك من
مزرعته مع كليم أنجرز .
كادت تغرق في تداعياتها ولكنها ما لبثت أن عادت بأفكـــارها إلى
الواقع , بحزم .
حضر غارد مبكــراً أكثر مما توقعت . حضر ببذلته الأنيقة الغالية
الثمن , وقميصه القطني المنشى الناصع البياض , ولو لم يكن مألوفاً
لديها بهذا الشكل لوجدت ذلك مثبطاً جداً لعزيمتها .
لكن غارد قد يكون مثبطاً حتى في ملابسه العادية , على ما
حدثت نفسها . ولم يكن هذا بسبب طول قامته , حتى ولا عرض كتفيه
وعضلاته المشدودة التي طالما تأوهت صديقاتها لرؤيتها . بل كان
هناك شــيء يتعلق بغارد نفسه . . . شــيء معين لا تدركه الحواس . . .
هو الذي يجعله مختلفاً عن غيره من الرجال . . . هالة من القوة
والسيطرة , من . . . الرجولة الخالصة التي تعترف بها روزي نفسها .
كانت تشعر بها إنما لا تنجذب إليها , كما ذكرت نفسها بحدة . لا
يمكن أبداً أن تنجذب إلى غارد , فهو ليس نموذجها المفضل بين
الرجال . إنها تحب من الرجال الرقيق الدافــــئ العواطف . . الأليف ,
والأكـــثر . . . إنسانية , والأقـــل . . . الأقــل هوســـاً .
وتنحنحت متوترة . ســـألها بجفــاء :
ـ مــاذا حدث ؟ إنك تحدقين في كأنك تحدقين في كلب ! .
ردت عليه بحدة وألم :
ـ أنا لست خائفة منك ! .
ـ أنا مسرور جداً لسماع ذلك . علي أن أستقل الطائرة إلى
بروكسل عند الصباح , يا روزي , ولدي حقيبة يد مليئة بالمستندات
لأقــرأها قبل ذلك . أخبريني فقط ماذا تريدين , يا فتاتي الطيبة , إنما لا
تتراجعي الآن قائلة إن الأمر غير هام . نحن الاثنين نعلم جيداً أنك ما
كنت لتتصلي بي لو كـــــان الأمر عادياً .
قطبت جبينها قليلاً للسخرية البادية في صوته , لكنه كان ينظر
إليها بنفاذ صبر وهو يفك أزرار سترته ويحل ربطة عنقه .
وعندما ركزت نظراتها على حركات يديه , شعرت بالإنقباض في
قلبها يشتد .
ـ هيا , يا روزي ! لا أريد أية ألاعيب ! مزاجي , حالياً , لا يحتمل
هذا .
ذكــرها تحذيره الشفهي المصحوب بنظرته العنيفة الثاقبة , بزلتها
القديمة مع (( كليم أنجرز )) وعقابه القاسي لهما .
ابتلعت ريقها متوترة . فات أوان التراجع الآن .
استجمعت شجاعتها وجذبت نفساً عميقاً .
ـ غارد ! أريدك أن تتزوجــــني . . .

نهاية الفصل الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:01 am

الفصل الثاني


ـ بــأمــر عينيه



قالت روزي ذلك وهي تغمض عينيها بحركة آلية . لكن الصمت
الذي أعقب طلبها ذلك أرغمها على فتحهما .
ـ ماذا قلت ؟
اندفعت هاتان الكلمتان من بين أسنان غارد القوية البيضاء بنعومة
تبطن الشؤم , وأخذ يحدق فيها بطريقة خيل إليها أنه سيوقع عقابه
على جسدها وعظامها . تملكها التوتر وتنحنحت للمرة الثانية ,
وكررت قولها بسرعة وهي تكبح شعوراً غريزياً للهرب :
ـ أنا . . . ســألتك إن كنت تتزوجني ؟
ـ هل هذا نوع من المزاح ؟
أدهشها الغضب الذي بدا في صوته . فقد كانت أمضت الساعات
القلية الأخيرة محاولة أن تتصور بالضبط ما ستكون عليه ردة فعله
إزاء ما ستطلبه منه . أمــا أنه قد يغضب , فهذا ما لم يخطر ببالها .
التسلية , السخرية , الازدراء , الرفض الصريح المباشر . . . كل هذه
الأمور توقعتها , أما الغضب . . .
ـ كلا , هذا ليس مزاحاً . ويا ليته كان كذلك . ( أضافت الجملة
الأخيرة بصوت خافت ) إنها فكرة (( بيتر )) . قلت له إنها فكرة مجنونة ,
لكنه أصرَ على أنها الطريقة الوحيدة لمنع إدوارد من أن يرث المنزل
ويدمره . إنك تعرف شروط وصية جدي .
ـ أعرفها . لكنني لم أكن أدرك أن هذا المنزل يعني لك الكثير .
ماذا حدث لكل إصرارك على عدم الزواج من قبل أن تقعي في الحب ,
وتتأكدي من أن حبك سيكون متبادلاً ؟ أم أن ذلك كان مجرد تصورات
الصبا سرعــان ما تبددت أمام الخوف من خسارة المنزل ؟
قالت بغضب :
ـ لا , لم يكن الأمــر كذلك , ولكـن . . .
كان خلع سترته وذهب ليقف أمام المدفأة الضخمة التي كان
وجودها مع زخارف السلم الأثرية , يهيمن على جو الردهة .
رأت روزي غارد ملائماً لهذا المنزل , قبل أن تحول عينيها عنه
بسرعة , نظراً إلى طول قامته وهالة القوة والسيطرة التي تحيط به وهو
يسير بنفس الخيلاء التي لا بد أن جدها الأول كان يسير بها . كان يبدو
وكأنه في بيته , أكثر منها هي التي كانت الغرف الفسيحة المبطنة
بالخشب الداكن اللون تكاد تحجبها عن الرؤية .
ورثت روزي عن أسرة أمها من مظهرها وبنيتها الجسدية أكثر مما
ورثته من أسرة أبيها . ذلك أن أكثر صور أسلافها كانت تظهر
أشخاصاً ممتلــئي الجسم أقوياء العضل , بينما هي صغيرة الجسم
هزيلة نحيفة كما وصفها غارد , ذات مرة , هازئاً .
لكن هذا ما زال بيتها وجزءاً منها , وبقدر كراهيتها الاعتراف
بذلك , كانت تكره رؤيته مدمراً . وهي من الصدق بحيث تدرك أنه
سيكون آمناً بين يدي غارد , بالرغم من مشاعرها الخاصة نحوه .
قاطعها متسائلاً :
ـ ولكن مـاذا . . . ؟ إنك تحبين هذا المنزل إلى درجة لا تريدين
معها التخلي عنه . فإلى أي درجة تحبينني ؟
ألقى عليها السؤال الأخير سـاخراً , عارفاً الجواب مسبقاً . أجابته
بعنف مستنكــرة .
ـ لا ! هذا غير صحيح طبعاً .
لماذا ينظر إليها بهذا الشكل , بعيني النسر الحادتين تلك , مـــا
جعلها تشعر بمثل هذا الضيق ؟
ـ أنت إذن لا تحبين أياً منا , ومع ذلك مستعدة للزواج مني
للاحتفاظ بـالمنزل !
أســرعت تصحح كلامه :
ـ بل لأنقذه من إدوارد و . . . وسيكون ذلك زواج مصلحة
صورياً .
أضافت ذلك بحذر وهي تدير له ظهرها قليلاً . لسبب ما ,
وجدت من الأسهل عليها الكلام معه بهذا الشكل . وتابعت تقول :
ـ زواج مصلحة , ولا حاجة لأن تطول مدته . قال بيتر إن بإمكاننا
ربما الحصول على فسخ الزواج , ما يجعلنا بغير حاجة إلى . . . ليس
علينا أن . . .
سكتت فجأة بشكل لافت , منتبهة بقلق إلى صمته المريب الذي
جعلها تستدير لتنظر إليه . قال سـاخراً :
ـ استمـري . . . ليس علينا ماذا ؟ أن نعاشر بعضنا كزوجين ؟
كرهت روزي الطريقة الناعمة التي لفظ بها هذه الكلمات . . .
متلذذاً بنطقها , وكانت واثقة من أنه يستمتع بكل ثانية من شعورها
بالضيق .
ـ إذا كــان المفروض في ذلك تشجيعي على الموافقة , أنت إذن لا
تعرفين الكثير عن شعور الكرامة عند جنس الرجال , يا روزي . أتظنين
حقاً أن هناك رجلاً , أي رجل , يرضى أن يقف أمام المحكمة ويخبر
العالم أنه ليس رجلاً بما يكفي لأخذ زوجته إلى الفراش ؟ هل تعتقـدين
حقاً أن أي شخص خصوصاً ابن عمك الكريه ذاك , سيصدق قصتنا
هذه وهو يعلم الرعب الذي يتملكك من فكره الاختلاء برجل ؟ آه ,
كلا يا عزيزتي لــســتُ من الجــنون بحــيــث أوافـــق على الزواج
الاحتيالــي الذي تعرضينه علي ! .
أخذ قلب روزي يخفق بعنف أثناء كلامه . لكنها عندمــا أدركـــت
أنه لم يرفض عرضها هذا على الفور , أخذت تحدق فيه مترددة , وما
زال وجهها محمراً نتيجة ارتباكها السابق . غارد فقط هو الذي يجعل
ردة فعلها بهذا الشكل عندما يتحدث في هذا الموضوع . حتى عندما
كان الفتيان المراهقون يُسمعونها التعليقات الوقحة الفجة , لم تكن
تشعر إزاء ذلك بمثل الخجل والحرج اللذين تشعر بهما مع غارد .
استدارت تنظر إليه بإمعان . المفروض أن يقرأ المرء أفكار
الشخص من عينيه , لكن هذه القاعدة لا تنطبق على غارد . لا يمكنها
أبداً أن تعرف ما يفكر فيه . قالت بإصرار :
ـ لكن هذا لن يكون زواجاً حقيقياً . أعني , أننا لن . . .
أكمل لها حديثها عابساً :
ـ لن ننام في غرفة واحدة ؟ من الصعب تصور ذلك حقاً ! المرة
الوحيدة التي أخذتك فيها بين ذراعي , كدت تقتلعين عيني .
قالت تدافع عن نفسها :
ـ لأنك أفزعتني . حملتني فجأة بذلك الشكل , بينما كـان المكــان
مظلماً وأنا . . .
ـ وأنت كنت خارجة سراً مع (( كليم أنجيرز )) لتسرقا صيد جدك
من السلمون .
فقالت ســاخطة :
ـ كان كليم وعدني من زمن طويل بأن يأخذني لرؤية حيوان
الغرير , وإذا بك تتدخل وتفسد كل شيء . كان وعدني بأن يأخذني
حالما أبلغ السادسة عشرة .
ـ أحقاً ؟ أرجو ألا تكون هذه هي حجتك السخيفة آنذاك , عندما
سألك أبوك ! ( وتابع متجاهلاً اختناق وجهها بالغضب ) . حلوة في
السادسة عشرة , لم يعانقها أحداً قط ! . . . أنعشي ذاكرتي , يا روزي
من فضلك . كم عمرك الآن ؟
أجابت بانزعـــاج :
ـ اثنان وعشرون تقريباً .
ـ آه ! , المفروض أن لديك الآن خبرة جيدة في الغزل ! على الأقل
منذ رأيتك ليلة رأس السنة في حفلة آل (( لويشام )) الراقصة .
احمر وجه روزي وهي تتذكر الحادثة التي أشار إليها . أحد أبناء
عم (( لويشام )) وكان ثملاً سريع التأثر , أمسك بها عند باب الخروج
وأخذ يضمها بنزق . كان ذلك في الممر نصف المعتم والمؤدي إلى
غرفة المعاطف . كانت حادثة تافهة لا ضرر منها . لكن الفتى جاء
لزيارتها عصر اليوم التالي , مبدياً ندمه وأسفه لما حدث , متوسلاً إليها
أن تمنحه فرصة للقيام ببداية جديدة , وهذا ما رفضته روزي بلباقة .
لكنها , حتى الآن , لم تكن تعلم أن غارد شاهدهما في تلك اللحظة .
ابتعدت عنه وأخــذت تذرع أرض الغرفة , متوترة الأعصاب .
ـ ما الذي يمنعك من شراء ملابس مناسبة لنفسك ؟ إنك غير
فقيرة . لقد ترك لك أبوك ما يكفيك تماماً . أم أن العزيز رالف ,
المنافق المتظاهر بالصلاح والتقوى , لا يعجبه أن يراك على هيئة امرأة
بدلاً من مظهرك الطفولي غير الناضج هذا ؟
استدارت روزي إليه مستنكرة بغضب :
ـ رالف ليس منافقاً . أما بالنسبة إلى مـلابــسي . . . ( وقطبت جبينهـــا
وهي تنظر إلى البنطلون الرث الـذي ترتديه والكنزة الــــتي كانت أصلاً
لأبيها ) . إنني ألبس ما يريحني ويرضيني . ربما أنت من نوع الرجـال
الذين يحبون رؤية المرأة تقيد نفسها في ملابس ضيقة لا تكاد تستطيع
السير بها , متقلقلة بكعبها العالــــي . . . وأظن أن ذوقك هذا مناسب
لسنك الآن ! .
أضافت الجميلة الأخيرة باستخفاف . قال متجهماً :
ـ إنني في الخامسة والثلاثين , يا روزي , ولست عجوزاً في
الستين أكافح بيأس تقدم السن . أما عن ذوقي في الملابس , أنا
شخصياً لا أرى أكثر جاذبية من المرأة الواثقة بنفسها فتلبس لا لتخفي
محاسنها ولا لتظهرها . المرأة التي ترتدي الحرير و الكشمير ,
الصوف أو القطن , ولكن بذوق وأناقة . . . أما أنت فلم تصبحي امرأة
بعد , أليس كذلك يا روزي ؟ .
آلمتها انتقاداته وتعليقاته وجعلتها تقفز على الفور للدفاع عن
نفسها قائلة بغضب :
ـ بل أنا امرأة , لكن ليس بإمكانك أن ترى هذا . إنك لا تفكر في
النساء إلا من ناحية معينة , حسناً , لمعلوماتك الخاصة . . .
وسكتت فجأة ! لماذا تدعه يغضبها بهذا لشكل ؟ لماذا ينتهيان
دوماً متشاجرين متجادلين عدوين ؟ سألها متحدياً :
ـ ماذا (( لمعلوماتي الخاصة )) ؟
أجابت متراجعة :
ـ آه , لا شــيء !
منتديات ليلاس
كانت حمقاء عندما أصغت إلى بيتر , إذا كانت الطريقة الوحيدة
لإنقاذ المنزل هي زواج المصلحة , كما قال , عليها إذن أن تتزوج
شخصاً آخر . أي شخص ما عدا هذا الرجل المتغطرس البغيض
المخيف الواقف أمامها , يراقبها بتلك العينين الثاقبتين المتأملتين
الذهبيــتي اللون . قالت بمرارة :
ـ لا بأس , أنا أعرف أنها فكرة غبية , وكنت حمقاء عندما ظننتك
ستوافق , مهما كان حبك لهذا المنزل . من الأفضل وضع إعلان في
الصحف بطلب زوج . . .
ومضَ شيء في عيني غارد . . . شــيء سرعان ما تلاشى , فظنته
روزي من تخيلاتها .
ـ لم أعطكِ جوابي يعد .
رفعت بصرها إليه , بينما تابع محذراً :
ـ إنك تتحدثين عن مشروع قد يكون شديد الخطر ! سيشك
إدوارد في الأمــر .
ـ لكنه لن يستطيع فعل شــيء ما دمت أنفذ شروط وصية جدي .
ـ إدوارد رجل داهية , وليس من الحكمة التقليل من شأنه . ثمة
شــيء من الخداع في خطتك هذه .
قاطعته روزي بقلق :
ـ خــداع ؟ ولكـن . . .
ـ ســأعود من بروكسل بعد غد . عندئذ سأعطيك جوابي . وأثناء
ذلك لا تعلني شيئاً في الصحف .
حين غادر المنزل تملكها السخط . لماذا يجعلها دومــاً تشعـر
وكأنها طفلة ؟ وطفلة غبية على الأخص ؟
ـ نسيت مرة أخرى أن تضعي السكر في قهوتي .
قال رالف ذلك لروزي متذمراً . ثم رفع حاجبيه الأشقرين :
ـ يبدو عليك الانشغال البالغ هذين اليومين ! هل حدث شيء ؟.
ـ لا . . . لا شــيء ! .
ـ أتعلمين , يا روزي ؟ من المؤسف أنك لم تبذلي جهداً أكبر فــي
إقناع جدك بأن يتنازل لنا عن منزل ((مرج الملكـة))! المجد لله ! سيغلق
مكتب الهندسة أبوابه الأسبوع القادم وهذا سيزيد الضغط علينا . الله
يعلم كم من الناس سيصبحون دون مأوى ! البيت الكبير اللعين وكــل
تلك الغرف . . .
ـ نعم , نعم , أعرف هذا .
وتملك روزي شعور بالذنب . لم تكن حدثت رالف عن شروط
وصية جدها . ومنذ أوضح إدوارد أنه يتوقع أن يؤول إليه المنزل ,
أوحت روزي لرالف بذلك أيضاً .
عند إعلانها رغبتها في التطوع في المأوى , علمت أن أباها تملكه
شيء من القلق . ولا حاجة للقول بأن غارد هو الذي تكفل آنذاك ,
بتحذيرها من أن رالف قد يطمع في البيت ليضمه إلى المأوى .
ـ لن يفعل رالف شيئاً كهذا .
قالت لذلك , حينذاك , سـاخطة . صـدقت هذا . . . صدقته . . . وما
زالت تصدقه , وإذا كان رالف مستاءً اليوم لأنهـا لم تبذل جهـداً كافياً
لإقناع جدهـا بالتخلـــي عن المـــنزل للمبرة , فإنهــا تتفهم سبب ذلك .
لا يمكنهــا أبــداً أن تدخـل ذلك المبنى القديم المـتـهـالـك القــدر القـائم
في ضواحي المدينة , الذي هو المأوى , من دون أن تشعــر بغصة .
بذلوا جميــعـــاً غاية جهدهـــــم لجعله صالحــاً للسكن قـدر الإمكــان ,
لكن غرفه ما زالت تذكرها بغرف مدرستها الداخلية التي انتسبت إليها
عندما عات مع أبيها من ألمانيا إلى إنكلترا حـيـث كان يخـدم في سلك
الجيش . لـم تمض فــي تلك المدرسة مــدة طويلة , لكنهــا تركت فـي
نفسها أثــراً لا يمحـى .
في بداية عملها في المأوى , وصلت ذات صبـــاح وصـــندوق
سيارتها مليء بالزهريات , والمقعد الخلفي مغطى بالأزهار . كان
رالف رآها وهي تضع آخر زهرية في المكان المناسب . حتى الآن ما
زالت تجفل كلما تذكرت مبلغ غضبه حينذاك , وهو يصيح فيها :
ـ إنك تبذرين النقود على الأزهار بينما لا نكاد نحصل على مـــا
نشتري به طعماً لهم ! .
لم تقترف تلك الغلطة قط بعد ذلك , لكن تقشف المأوى كـــان
يثقل على نفسها. يضاف إلى ذلك مشهد الأحداث المشردين الذين
يتوافدون عليهم .
لكنها اليوم تشعر بالذنب لأن أفكارها منشغلة بمشاكلها الخاصة
أكثر منها بأولئك المشردين ! سيعود غارد عصر هذا اليوم . ماذا
سيكون قراره يا ترى ؟ وماذا تريد هي أن يكون قراره ؟
كانت تعلم جيداً ما سيقوله رالف لو أنها طلبت منه النصيحـــة .
الجزء العصري الواعي منها يوافقه رأيه ؛ إذ هناك أشياء أهم
بكثير من مجرد منزل . هناك أناس , إخوتها في الإنسانية , بحاجة إلى
أكثر من مبنى . ومع ذلك , عندما سارت حول المنزل , وهو أمـــر
وجدت نفسها تقوم به كثيراً هذه الأيام , أدركت ذلك الجهد البشري
المبذول بعناية وحب لتشييد هذا البناء . لم تكن الزخارف هي التي
جعلتها تشعر بالذنب لفكرة هدم البيت , وإنما معرفتها بالجهد
المبذول في أعمال النحت . بإمكانها الآن , إذا هي أغمضت عينيها أن
تتخيل نفسها هناك تشم رائحة الخشب اللاذعة الطازجة , وتشعر
بصمت التلاميذ وهم يراقبون ما يفعله معلمهم بإمكانها أن تتخيل
اللذة والزهو في وجوههم عندما يُسمح لهم أخيراً بإنجاز حصتهم من
العمل . وعندما تمر يدا المعلم الخبيرتان على نحتهم وزخـــارفهم
لفحصها وإجازتها يمسكون أنفاسهم وينتظرون قراره .
الجص المزخرف على السقوف , الأثاث في الغرف . . . كل
ذلك آيات على إبداع الإنسان وعلو همته !
أما رالف , فهو يرى دون شك , الناحية الأخرى من ذلك . يرى
الفتيان الذين أصيبوا وبترت أعضائهم فطردوا من العمل ليموتوا
جوعاً , العمال بأجورهم الزهيدة التي يدفعها لهم مستخدموهم
الأغنياء .
ـ ماذا حدث ؟ هل حبيبك يشغل بالك ؟
التفتت روزي صوب فتى نحيل كل ينظر إليها , متكفلة الابتسام ,
متجاهل قول رفيقة وهو يطلق ضحكة نصف مكبوتة :
ـ لو كان ذلك صحيحاً , أراهن على أنها ما كانت بنصف هذه
التعاسة البادية عليها الآن .
لم يخجلها هذا التعليق , خلافاً لما تشعر به مع غرد . سألت
الفتى الأول متجاهلة كلامهم :
ألم تسمع خبراً جديداً عن تلك الوظيفة التي وعدوك بها , يا
(( ألان )) ؟
ـ لا . . . ولا أظنني سأسمع .
ـ يمكنك أن تحاول الحصول على مؤهلات . اذهب إلى مدرسة
ليلية .
كانت تعلم مسبقاً جوابه , ولهذا لم يدهشها أن يهز الفتى رأسه
رافضاً نصيحتها . عندما يخيب المجتمع أمل شخص , كما خيب
أمل هؤلاء الأحداث , يصبح من الصعب إصلاح الأمر . أخذت روزي
تفكر في ذلك وهي تنظر إليهما ينطلقان , متبخترين , في اتجاه غرفة
التلفزيون .
بعد ذلك بساعة , أخذ قلبها يخفق , وهي في طريقها إلى البيت ,
مفكرة في قرار غارد . عندما أوقفت سيارتها في الفناء خلف منزلها
وجدت سيارة لا تعرفها واقفة هناك .
أخذت تتأمل السيارة الرولز ــــ رويس الحمراء بدهشة , ثم دخلت
المنزل من المدخل الخلفي خلال ممرات متشابكة , مارة بمجموعة
من الغرف الصغيرة المعتمة .
سمعت أصواتاً في الغرفة الأمامية فأجفلت حين ميزت واحداً
منها . إنه إدوارد , إبن عم أبيها ! ما الذي يفعله هنا ؟ والأهم من
ذلك , كيف دخــل ؟
جذبت نفساً عميقاً , ثم دفعت الباب ودخلت إلى الردهة .
رأت إدوارد واقفاً , وظهره إليها , وصلعته تلمع تحت الثريا
المضيئة , فيما هو و الرجل الذي معه يتأملان الثريا فوقهما .
كان الرجل يقول مهمهماً :
ـ . . . أظن بإمكانها أن تجلب مبلغاً لا بأس به , رغم أن هذا
النوع من الأشياء غير مطلوب الآن . إنها كبيرة الحجم وغالية الثمن .
ربما يكون من الأفضل شحنها إلى الخارج بواسطة وكيل . . .
وسكت فجأة عندما التفت ورأى روزي . أشــار إل إدوارد ينبهه
إلى وجودهــا .
ـ آه روزي ! . . .
لم تنخدع روزي برقة إدوارد ولطفه . لم يحدث هذا قط كــــانت
تشارك أباها وجدها كراهيتهما وقلة ثقتهما به .
ســألته متجاهلة مظهر المودة الزائف نحوها :
ـ ما الذي تفعله هنا , يا إدوارد ؟
تنحى رفيقه قليلاً بينما تغيرت ملامح إدوارد وهو ينظر إلى حيث
كان رفيقه يتأمل زخارف السلم , ثم قست نظراته حين رأى عداء
روزي نحوه , فقال بنعومة وخبث :
ـ أتأكد من ميراثي فقط .
قالت غاضبة :
ـ إنه لم يصبح ميراثك بعد .
هز إدوارد كتفيه رافضاً كلامها وقد بدا الانفعال على وجهه
السمين . كان إدوارد , خلافاً لأبيها وجدها , ابتدأ يسمن منذ توسطه
في السن .
قال أبوها مرة إن لإدوارد طبعاً سيئاً للغاية . وفي المناسبات
القليلة التي قابلته فيها , كان التوتر ينضح من وجهه ,ما أثبت كلام
أبيها , لكنها المرة الأولى التي تختبر فيها سوء طباعه مباشرة .
قال بغضب :
ـ ربما لم يصبح بعد , لكنه سرعان ما يصير لـي . ولن يمكنك
أنت أو أي شخص آخـــر عمل شــــيء في هذا الموضوع . للمرة الأولى
يتصرف جدك العجوز خلافاً لمصلحته ! كم تظن مقدار المبلغ الذي
تجلبه الزخارف , يا تشارلي ؟
صاح بذلك يسأل الرجل الآخر , وهو يبتسم راضياً لرؤية مـــا
ارتسم على ملامح روزي من تعبير .
عندما رأته وسمعته , تلاشت من ذهنها أي فكرة لمناشدة الناحية
الطيبة من طبيعته . أدركت أن ليس لديه ناحية طيبة , وهو فعلاً
سيستمتع بتدمير المنزل .
منتديات ليلاس
ســـمـــعت الـــبـــــاب الــــخـــارجــي الــثـــقيل يقرقع ثمة من فتحـــه ,
استدارت تنظــــر بــحـــذر , لكن القادم لم يكن (( شريك عمل )) آخـر
لإدوارد , بل كان غارد .
تقدم إلى المدفأة القائمة بعد المــدخــل مباشرة , وأخــــذ يتــأمــــل
المشهد البادي أمــامــه , مقطباً جبينه .
رأت روزي نظرة العــداء والخشية تلتمع في عيني إدوارد , لكن
غارد لم يكن ينظر إليه , وإنما إليــها . . . ينظر إليها بطريقة لم
تتصورها قط منه نحو امرأة . . . وخصوصاً نحوها هي . أدركت ذلك
باضطراب أدار رأسها .
حولت وجهها متجاهلة تلك النظرة الملتهبة . منذ متى كانت عينا
غارد تتحولا من ذلك اللون الذهبي البارد إلى مثل هذا الكهرمان
الملتهب ؟ أين تعلم النظر إلى المرأة بهذا الشكل الذي يجعلها وكل
من في الغرفة معها , يشعرون برغبة غارد فيها ؟ لكن غارد لا يرغب
فيها . حتى إنه لا يشعر نحوها بأية مودة . . . إنه . . .
قالت بارتباك وهي ترفع يدهــــا إلى عنقهـــا تخفـــي النبض الخافق
هناك بعنف :
ـ غارد ,لم . . . لم أظنك ستعود إلا بعد . . . بعد وقت طويل .
ـ هذا صحيح , لكنــني لم أصبر على فراقك طويلاً .
حملــقــت روزي فيه , شــاعرة بجلدها يحترق . ما الذي يهدف إليه
غارد ؟ لا بد أنه يعلم , كمــا تعلم هي , أن . . .
جمدت ذاهلة وهي تراه يتقدم منها , ملقياً بحقيبة أوراقه جانباً ,
ثم يضمها إلى صدره بشــدة وهو يتمتم بصوت أجش :
ـ رباه , كم اشتقت إليك ! .
ابتلعت روزي ريقها متوترة , فقال غارد بمرح :
ـ ألم تبشــري إدوارد بعد , يا حبيبتي ؟
تبشره ؟ أي بشارة تلك ؟ وانتفضت بعنف محتجة على تصرفه ,
وأوشكــت كلمات الغضب أن تندفع من بين شفتيها لكنها لم تستطع أن
تنطق بكلمة , لأن غارد انحنى عليها بسرعة , محذراً إياها من قول أي
شـــيء .
غارد يحتضنها ! هل هذا ما فعله حقاً ؟ لم تشعر بأنه فعل حقيقي .
فتحت عينيها ونظرت في عينيه باضطراب . كنتا لا تزالان غير
مألوفتين لديها , بلونهما الكهرماني الذي يثير خفقان قلبها وسرعة
نبضها, لم تكن تتصور أنها ستواجه يوماً ما مثل هذا الموقف .
أدارت رأسها موجة من الأحاسيس فيما غارد يضمها بـــشــوق
مفتعل .
بقيت عيناها مفتوحتين , وكذلك عيناه اللتان كانتا تنومانها
مغناطيسياً لتطيع أوامره الصامتة , وقد تملكتها قشعريرة غير عادية من
الأحاسيس . ثم تملكها الذعر ؛ وبصرخة احتجاج خافت , أبعدته عنها .
قال وكأنها قالت له شيئاً .
ـ الحق معك ! فهذا ليس الزمان ولا المكان المناسبين .
ـ ما الذي يجري هنا بحق الجحيم ؟ .
حولت روزي عينيها عن وجه غارد , ورأسها يدور , والتفتت
لتنظــر إلى إدوارد . سأله غارد بأدب :
ـ ألم تخبرك روزي بأننا سنتزوج وقد أعددنا كل شــيء ؟!.
قال ذلك هو يشيح بوجهه عن إدوارد , متجاهلاً غضبه
المتصاعد . كان يتحدث ويتصرف كأن إدوارد غير موجود , كأنهما
بمفردهما . . . كأنهما . . .
ـ سيكون عرسنا كما تحبين أن يكون . صغيراً . هادئاً , فـــي
الكنيســة . . .
في الكنيسة ! أجفلت روزي لهذا , لكنها هذه المرة استــــطــاعــت
كبح كلماتها الذاهلة .
كان إدوارد يتوعد بجانبهما قائلاً بغضب :
ـ لا يمكنكما القيام بذلك ! إنـي أعرف ما تهدفان إليه . لا تظناني
لن . . .
من دون أن يرفع غارد صوته أو رأســه , ومن غير أن يحول نظره
عنها , ما أثار إعجابها , تمكن من أن يسكت إدوارد ويستولي على
انتباهه , بقوله الهادئ :
ـ إدوارد . . . أظن حان وقت ذهابك , ســأودعــك إلى الباب .
ابتعد غارد عنها الآن , ولو كان الوقت مختلفاً , ربما سرها أن
ترى العبوس على ملامح إدوارد , والاضطراب يتملك صديقه الذي
كان يطلب أن يعرف بالضبط ما الذي يجري ولماذا وضعه إدوارد في
مثل هذا الموقف الحرج .
قال إدوارد يتوعد غارد قبل خروجه :
ـ لن تقدر على ذلك . إنك لم تتزوج بعد , و . . .
قاطعه غارد بدماثة وهو يغلق الباب خلفه بحزم :
ـ وداعاً!
ـ هل . . . هل كنت تعني ذلك حقاً ؟ أعني أننا سنتزوج ؟
سألته روزي هذا وقد جف فمها خـــلال الصمت الثقيل الذي تلا
خروج إدوارد .
قال بهــدوء :
ـ نعم ! ما بك يا روزي ؟ هل غيرت رأيك ؟
سألها هذا وهو يعود فجأة إلى سلوكــه الطبيعي الساخر نحوها .
نظرت روزي إلى السلم , ثم الثريا فوقها , وهــزت رأسها , غير
واثقـــة من القدرة على الكلام .

نهاية الفصل الثاني

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:02 am

الفصل الثالث


كيف يعامل الرجـل المــرأة


ســألت روزي غارد , وهي تنهض وتسير لتقف عند نافذة المكتبة .
ـ هل من المفروض أن يكون احتفالاً كنسياً ؟
كانت قد فوجئت بحضوره منذ نصف ساعة . ذلك أن الساعة
التاسعة من صباح يوم السبت ليست وقتاً معتاداً لاستقبال الزائرين .
ـ زائرين ؟
قال غارد ذلك بلهجة مطاطة عندما أخبرته بذلك . وبسرعة ,
تخللت شعرها الجعد بأصابع إحدى يديها , بينما حاولت خلسة أن
تلعق ما سال على أصابع اليد الثانية من المربى .
في حياة جدها , كانت وجبة الفطور , خصوصاً أثناء عطلة نهاية
الأسبوع , أمراً شبه رسمي , يقدم في غرفة الطعام . ولكن , منذ أن
أصبحت وحدها , تعودت أن تأكل في المطبخ الواسع . كما أصبحت
السيدة (( فرينتنون )) تأتي مرة واحدة في الأسبوع بدلاً من الحضور
يومياً للتنظيف و المطبخ . ذلك أن روزي أخذت تشعر بالذنب
لاستخدامها امرأة في أعمال الطبخ والتنظيف بينما تستطيع أن تفعل
ذلك بنفسهـــا .
ـ عزيزتي روزي , نحن على وشك الزواج , والمفترض في نظر
الناس أننا غارقان في الحب . ليس الغريب زيارتي الباكرة , بل عدم
قضائي الليل بطوله هنـــا .
تملك روزي الضيق عندما شعرت بحمرة الخجل تصبغ وجهها .
قــال :
ـ برنامجي مليء بالعمل , وهناك أمور معينة علينا أن نناقشها قبل
أن يعلم سائر الناس خبرنا .
سألته غاضبة وهو يتبعها إلى غرفة المكتبة :
ـ ولماذا على الآخرين أن يهتموا بما نفعل ؟ أم أنك تعني بسائر
الناس صديقاتك العزيزات ؟
لكن النظرة التي رمقها بها سرعان ما أسكتتها .
كان غارد , مثلها يرتدي ثياباً عادية . لكن مشيته كان لها تأثير
مغناطيسي غريب . شعرت بالارتياح عندما جلس أخيراً على إحدى
كراسي المكتبة .
أجابها الآن عن سؤالها الأســاسي :
ـ نعم , هذا يهمُّهنَّ ! ما هو اعتراضك ؟ .
ـ حسناً ذلك فقط . . .
وهزت كتفيها بضيق , لا تريد أن تعرض نفسها للمزيد من
سخريته . فهي تشعر على نحو ما بأن من الخطـــأ , إجراء الزواج في
الكنسية , بينما يعلمان تماماً أن زواجهما هو مجرد مصلحة . قال يلح
عليها :
ـ ذلك فقط مــاذا ؟
ـ إنه فقط . . . أن العرس في الكنسيــة مربك , بــالغ الضوضـــاء
والتعقيد و . . .
احمر وجههــا أمام نظرته الباردة . في وضوح هذا النهار الصــافي
المــشــمــس , بدا مستحيلاً أن تكون هاتان العينان الباردتان هما نفس
العينين اللتين رأتهما الليلة الماضية تتحرقان رغبة وشوقاً . حولت
عينيها عنه بسرعة . كانت حدثت نفسها الليلة الماضية , بعد ذهابه ,
بأن مـا حدث بينهما من عناق لن يتكرر , غارد فعل ذلك بسبب
إدوارد , وبإمكانها أن تشكره على عمله . . . لكنه أمر لا ينبغي أن
يتكرر على الإطلاق .
ـ كفى مراوغة يا روزي . إنك لا تريدين الزواج في الكنسية لأنه
زواج غير حقيقي . هذه هي شخصيتك ومفاهيمك المشوشة عن
الحياة . حاولي أن تفكري في الأمور بمنطق , أنا وأنت , على اختلاف
طبعينا , لدينا مكانة معينة في المجتمع , سواء أحببت ذلك أم لا .
إدوارد لن يكون مسروراً لما ستقوم به , ونحن نعلم ذلك , ولا فائدة
من زيادة شكوكه . تفضلين احتفالاً صغيراً بسيطاً , ولا ضـــرورة لأن
يكون كنسياً , أليس كذلك ؟ أما بالنسبة للضوضاء والتعقيدات , دعي
ذلك لي . من الأفضل أن تطلبي من السيدة فرينتون أن تأتي إلى هنا
للعمل في البيت طوال النهار .
ـ لماذا ؟ إنني لا أستعمل سوى بضع غرف و . . .
ـ هذا صحيح . ولكن بعد الزواج علينا القيام بواجبات الضيافة .
لدي شركاء في العمل يريدون أن يتعرفوا إلى عروسي . فإذا لم تكوني
مستعدة لترك عملك في الملجأ لتبقي في المنزل طوال النهار . . .
تترك عملها في الملجأ ؟ وقالت بعنف :
ـ لا ! بكــل تأكيد ! .
ـ اتصلي إذن بالسيدة فرينتون أخبريها بأننا سنتزوج وبأنني
ســأنتقل إلى هنا واطلبي منها أن . . .
ـ تنتقل إلى هنا ؟
فقال ســاخراً :
ـ من الطبيعي بالنسبة إلى زوجين أن يعيشا تحت سقف واحد .
إلا إذا كنت تريدين الانتقال إلى شقتي . بالرغم من . . .
شقته ؟ أخذت روزي تحدق فيه . عندما عرض عليها بيتر في
البداية فكرة الزواج من غارد لم يخطر ببالها سوى ذاك الحرج من
مفاتحته في الأمـــر .
قالت بذعر :
ـ لكننا لا يمكن أن نعيش معاً !.
ـ لا يمكننا ماذا ؟ آه , هيا , يا روزي , كم تبلغين من العمر ؟ لا
يمكنك أن تكوني بهذه السذاجة ! لا يمكنك أن تقنعي الناس بأن هذا
زواج حقيقي إذا كنا نعيش في منزلين منفصلين . كوني عاقلة !
قالت بضعف وهي تسمع نبرة السخط في صوته :
ـ لم يذهب تفكيري , في الواقع , إلى ذلك الحد . أردت فقط
أن . . .
قاطعها بلهجة لاذعة :
ـ أرادت فقط إنقاذ البيت من إدوارد . أعلم هذا . إنك في الثانية
والعشرين من عمرك تقريباً , يا روزي . ألم يحن الوقت بعد لكي
تكبــــري ؟
أجابت ساخطة :
ـ إنني كبيرة . وأنا راشدة الآن , يا غارد و . . .
ســألها بنعومة :
ـ و . . . ماذا ؟ امرأة ؟ .
ـ نعم !
قالت ذلك بعنف وهي تنظر إليه يروح ويجيء في الغرفة , ثم
يرمقها بنظرة آمــرة :
ـ استديري وانظري إلى نفسك في تلك المرآة , ثم أخبريني بما
ترين .
منتديات ليلاس
فكرت في أن ترفض , لكنها عندما تذكرت مبلغ السرعة
والسهولة التي قهرها بها الليلة الماضية , امتنعت عن ذلك . وهكذا
اضطرت للقيام بما طلبه منا , وأخذت تحدق , ليس في صورتها في
تلك المرآة الضخمة , بل فيه هو .
كم هو طويل بالنسبة إلى قصر قامتها ! ومــا أقوى عضلاته
الواضحة من تحت قميصه الصوفي الرقيق ! أما هي فكان قميصها
فضفاضاً وفتحة عنقه واسعة , ما كشف بوضوح عن رقة عظامها
الهشة . أبرز القماش الصوفي الأسود الناعم , بشكل ما , بياض
بشرتها الشفاف , واستدارة صدرها .
قال ســاخراً :
ـ امرأة ! إنك تبدين فتاة صغيرة ! قد تصبحين امرأة بعد سنوات ,
يا روزي , لكنك ما زلت مختبئة خلف طفلة بمظهرها وسلوكها .
( ومد يده محاولاً ملامسة فمها , لكنها أمسكت بمعصمه تبعد يده
عنها , وقد أظلمت عيناها غضباً وذهولاً ) . لا أحمر شفاه , ولا أي
نوع من مواد التجميل .
أجابت باحتجاج :
ـ إنه صباح السبت .
أما ما لم تخبره به , أو ما لم تستطع أن تخبره به , فهو أنها
غادرت سريرها للتو , وأنها لم تستطع النوم في الليلة الماضية . . .
لأنها . . وأحست بأثر لمسته تحرق شفتها , فعضتها بحركة غريزية .
تابع غارد يقول بقســوة :
ـ لا زينة على الوجه ! وتتعمدين بملابسك هذه إخفاء معالم
الأنوثة . هل سبق لرجل أن لمســك ؟
ـ ليس علي أن أعتذر لك أو لأي شخص آخر لعدم رغبتي في
إطلاق العنان لنفسي في علاقات عابرة . وهذا لا يعني أنني غير
ناضجة , أو أنني أقل من امرأة .
ـ هذا صحيح . لكن احمرار وجهك , وهربك مني , وجهلك
الواضح بالجنس الآخر . . . كل هذا يقول إنك لست امرأة , يا
روزي . وسيقولون بالتأكيد إنك غير متزوجة .
قالت بحدة وهي تشيح بوجهها لئلا يرى احمرار وجهها أو الألم
الذي خلفته كلماته :
ـ حسناً , لا يمكنني فعل شيء بالنسبة لهذا الأمر . أليس كذلك ؟
إلا إذا اقترحت علي أن أخرج وأفتش عن مغادرة طائشة كي لا
أحرجك بنقص . . أنوثتي وخبرتي ! .
ـ يا إلهي ! لو رأيتك . . .
شهقت وهي تراه يمسك بها يهزها بعنف , ثم يتركها فجأة . لم
تجد وقتاً لتفتح فمها احتجاجاً على خشونته هذه , وهو يقول غاضباً :
ـ إننا لا نقوم بلعبة , يا روزي ! بل هي حقيقة . . . وحقيقة خطرة
للغاية ! هل فكرت في ما قد يحدث لي ولك إذا ما أقام علينا إدوارد
دعوى احتيال ؟
ـ إنه لن يفعل . . . لا يستطيع أن يفعل هذا .
ـ لقد رأيت مظهر وجهه , كما رأيته أنا عندما علم بأنه لن يرث
المنزل . أي تلميح إلى أن هذا الزواج زائف , يجعله يسرع إلى إرسال
محاميه إلينا . . .
قالت وهي ترتجف :
ـ لكنه لن يستطع أن يعلم . لا يمكنه إثبات شــيء .
ـ نعم , هذا صحيح إذا تمسكنا بالحذر , وطالما تتذكرين أننا
أصبحنا تقريباً زوجين , وغارقين في حب بعضنا البعض .
ابتلعت روزي ريقها متوترة . إن لديها مخيلة جيدة . . . مخيلة
جيدة جداً . . . لكن أن تحاول تخيل نفسها غارقة في حب غارد . . .
ثم تحاول أن تتصوره يبادلها نفس ذلك الحب !
ـ هل ثمة انتقادات أخرى ؟
قالت روزي ذلك بتحدٍ , مقاومة اليأس الذي أخذ يتملكها . ألقى
عليها غارد نظرة هبط لها قلبها , وهو يقول محذراً :
ـ لست في موقف أحسد عليه .
وفجأة , شعرت روزي بأنها نالت ما يكفي . فقالت :
ـ لا يتوجب عليك القيــام بــذلك , كمــــا تعـــلم . ليس هناك من
يرغمك على الزواج بي , كما أنني أنا أيضاً لا أريد الزواج بك .
إسمع , لماذا لا تنسى كل شيء , يا غارد ؟ لم لا . . . ؟
فقاطعها بعنف :
ـ لماذا لا تحاولين التفكير قبل أن تفتحي فمك الصغير الحلو
هذا ؟
ولسبب ما , بدا أكثر غضباً من ذي قبل , كما لاحظت روزي ,
بينما تابع يقول :
ـ هل نسيت شيئاً ؟ إدوارد يعلم جيداً أننا سنتزوج .
ـ ماذا في ذلك ؟ يمكننا الادعاء بأنه شجار بين عاشقين . وهذا
يحدث كثيراً . وكان عليك أن تعلم ذلك .
من الغريب أن تأثير تهكمها هذا عليه كان أقل من كلامهــا السابق
عن عدم الزواج . قال بجفاء :
ـ العاشقون يعودون فيتصالحون , على الأقل حتى ينفصلوا نهائياً
عن بعضهم البعض . كلا يا روزي , إننا ملتزمان الآن . فات وقت
تغيير الرأي .
ـ كان بيتر على صواب في شيء واحد على الأقل . وهو أنك
تريد هذا المنزل بأي ثمن , وهذا ما يجعلك تقدم على هذا الأمر في
سبيله .
وهزت كتفيها مقهورة وهي تدير له ظهرها , محاولة تجاهل
خيبتها عندما لم تفكر في مستقبلها المباشر . سمعته يقول برزانة :
ـ نعم , هذا صحيح ! وبالمناسبة , تحدثت مع الكاهن , واتفقنا
على أن احتفالاً بسيطاً وسط الأسبـــوع هو الأفضل .
ـ لماذا فعلت ! ولكن . . .
ـ أنت التي عرضت علي الزواج .
كــبحت روزي صرخة أوشكت أن تفلت منها . مهما قالت أو
فعلت , بإمكان غارد أن يتغلب عليها حيلة وخداعاً . حسناً , يوماً
ما . . . يوماً ما ستكون هي التي تتغلب عليه . تعهدت لنفسها بذلك .
ســألته بتهكم لاذع :
ـ هل عينتما يوماً , أنت والكاهن ؟ أم أنه مســموح لــي برأي في
ذلك ؟
قال متجاهلاً تهكمهــا :
ـ نعم , يوم الأربعاء الذي يتلو الأربعاء القادم .
ـ بهذه السرعة ؟ ولكن . . .
ابتلعت روزي احتجاجها وكبحت إحساساَ ثوياً بالخشية
والارتياب .
ـ لا فائدة من تأخير الأمور . ليس أمامنا سوى شهرين نحقق
فيهما شروط وصية جدك , وأمامي عدة رحلات عمل . وفي الواقع ,
علي أن أعود إلى بروكسل في اليوم التالي للزفاف , ما يعني أننا ,
لسوء الحظ , لن نتمكن من القيام برحلة شهر العسل التقليدية .
وعندما رأى ما ارتسم على وجه روزي , ضحك ساخراً وقال :
ـ نعم , فكرت في أن هذا قد يعجبك . كوننا سنتزوج بسرعة ,
يعني أننا لسنا بحاجة إلى دعوة أناس كثيرين , وليس منا من له أسرة
كبيرة . أما حفلة الاستقبال فسنقيمها في ما بعد . وكما قلت لك ,
يمكنك ترك كل الترتيبات لي , عدا شيئاً واحداً . . ثوب زفافك . .
نظرت إليه بارتياب , متكهنة بما هو آت :
ـ ثوبي ؟ إنني لن أضيع نقودي على ثوب زفاف .
ـ ماذا ستلبسين إذن ؟ لا أظنك سترتدين هذا الذي عليك الآن ؟
حملقت فيه تقول :
ـ لا تكن سخيفاً . سوف . . .
ـ اسمعي يا روزي . لن أضيع وقتي في الجدل معك . كــــان
لأسرتك , ولا يزال , مكانة جيدة في المجتمع , هي تعني الكثير جداً
بالنسبة لجدك . يعجبني فيك أنك فتاة عصرية تنفقين ثروتك الموروثة
في سبيل مبادئك . ولكن علينا أحياناً أن نصل إلى حل وسط بين
مبادئنا ومتطلبات الآخرين .
ـ أتعني أنك تريدني أن أرتدي ثوب الزفاف التقليدي كيلا أسبب
لك الخجــل ؟
ـ لا . ليس هذا ما أعنيه .
جعلها غضب صوته تنظر إليه مباشرة . رأت أنها أغاظته حقاً .
كان وجهه مكفهراً وشفتاه متوترتين تنذران بالشر . وحتى اقترابه منها
كشف عن نفـــاذ صبره .
ـ لا أهتم مثقال ذرة إذ أنت وقفت في الكنيسة مرتدية كيس
خيش , إذ يبدو واضحاً تماماً أن هذا ما تريدين . ما بك يا روزي ؟ هـــل
تخشين أن بعض الناس , شخصاً ما , لن يفهم تماماً الدافع وراء هذا
الزواج ؟ وأن ذلك الشخص قد لا يدرك التضحية الكبرى التي تقومين
بها ؟ حسناً , دعيني أحذرك الآن , يا روزي , حتى إذا أنت فكرت فــي
أن تخبري رالف ساوثرن بالسبب الحقيقي لهذا الزواج . . .
رالف ؟ ما هذا الذي يتحدث عنه غارد ؟ ولماذا تخبر هــــي رالف
بشــيء من هذا القبيل ؟ إنها تعرف مسبقاً ردة فعله إذا هي فعلت .
والازدراء الذي سيشعر به نحو رغبتها في حماية وحفظ المنزل . . .
تابع غارد يقول متجهماً :
ـ إذا ظننت أنــني . . .

منتديات ليلاس
هزت روزي رأسها وقد تبددت من نفسها كل رغبة في القتال :
ـ لا بأس , يا غارد . ســـأرتدي ثوب زفاف حقيقي .
قالت ذلك بجفاء . كانت تعلم أن عينيها امتلآتا بالدموع , ورغـــم
محاولتها لإشاحة وجهها , إلا أن غارد لاحظ دموعها . سمعته يشتم
بصوت خــافت ثم يقول بخشونة :
ـ لا بأس ! آســف إذا كنت سببت لك ألمــاً بــشيء قلته . إنما عليك
أن تدركــي أن . . .
قالت بغضب وهي تغالب دموعها :
ـ لا , إنه ليس . . . ليس بسبب شيء قلته . أنا أعلم مسبقاً رأيك
بي يا غارد . المسألة هي أنني كنت دائماً أتصور .
ورفعت رأسها غير مدركة مبلغ الضعف البادي عليها والتردد فــي
صوتهــا .
ـ أتصور أنني عندما أتزوج . . . عندمـــا أختار ثوب زفافي . . .
سيكون ذلك . . . ( وغصت بالدمع ) سيكون لرجل يحبني . . . لرجل
أحبــه .
رأت وجه غادر يتوتر . لعله ليس كما كانت تظن وتتصور . . .
ربما هو أيضاً , في أعماقه , تصور ذات يوم أنه سيتزوج لأجل الحب .
وعادت تقول , محاولة التظاهر بعدم الانفعال :
ـ ومع ذلك , أظن بإمكاني أن أفعل فــي . . .
أكمل غارد كلامها بخشونة :
ـ في المرة القادمة .
لم تعرف روزي ما الذي قالته فأغضبه بهذا الشكل الواضح .
انفجرت فيه تقول متحدية , متجاهلة الغريزة التي أوحت إليها بأن ما
تفعله هو شيء خطير :
ـ ربما تظنني غبية مثالية للغاية وشاعرية ساذجة . نعم أنا كذلك
حقاً , يا غارد ! ربما عندما أصبح في مثل سنك , سأشاركك الرأي بأن
الحب المتبادل ليس مهماً , وأنه شيء يثير السخرية . . . لكنني لا
أستطيع الآن منع نفسي من هذه المشاعر . ولأنك لا تشعر بالشــيء
نفـســه . . .
قاطعها بلهجــة لاذعة :
ـ أنت لا تعلمين شيئاً عـــن مشاعري الحالية , وعما سبق أن
شعرت به واختبرته . . .
أحست بحرارة تحرق جلدها وهي تلمس الحقيقة في ما يقول
وما لم يقل . كان غارد رجلاً بالغ الخبرة والجاذبية ومحترم المشاعر ,
ولا بد أن هناك نساء . . أو امرأة . . . في حياته , جذبته روحاً
وجســـداً . وبشــكل مــــا , نبههـــــا تجاوبه هذا , إلى هذه الحقيقة .
طوال مدة معرفتها به , كانت تشعر بأنهــــا مرغمة على محــــاربته
ومقاومة رغبته في السيطرة , لكنها الآن تراه مختلفاً . وبدلاً من أن
تسأله لماذا , بعد خبرته بتلك المشاعر , لا يزال عازباً , كبحت تلك
الرغبة في التحدي . سمعته يقول بعد أن أشاحت بوجهها عنه :
ـ دعيني أحذرك , يا روزي ! لا أريدك أن تبحثي عن الحب
الشاعري المثالي أثناء زواجك بي ! عليك أن تؤجلي هذا , مع
الأســف .
نظرت إليه غير واثقة . هذا النوع من الكلام كان يقوله عــادة
بسخرية لاذعة . إنما الآن لم يكن ثمة أثر للهزل أو السخرية في
عينيه . نادراً ما كانت تراه رزيناً إلى حد التجهم , كما هو الآن , ما
جعلها تتمسك بالحذر
ـ لاستمرار هذا الزواج , أمام الآخرين , أنا عاشقك وحبيبك بكل
ما في هاتين الكلمتين من معنى .
إن فتور صوته وبرودته سلبا كلماته كل إحساس . ومـــع ذلك ,
شعرت روزي بجلدها يلتهب , وتحركت مخيلتها , عدوتها اللدودة
عندما تصل إلى غارد , تستعيد الكلمات التي استعملها . . . العاشق ,
الحبيب . ارتجفت فجأة , محاولة أن تنبذ تلك الصور التي خلقتها
مخيلتها البالغة النشاط , صور شخصين , عاشقين , متعانقين بلهفة
بالغــة .
نبذت روزي تلك الصور من ذهنها بسرعة , وقالت غاضبة :
ـ لا حاجة بك للقلق . لن أعمل شيئاً يشوه صورتك المعروفة في
مجتمعك . أليس كذلك , يا غارد ؟ العاشق الأسطوري الشهير يتزوج
امرأة لا تريده . . .
رد عليها متجهمــاً :
ـ ليس صورتي , كمــا تسمينها , هي ما يهمني , وإنما سمعتي
المهنية وكذلك سمعتك . أنت تدركين أن ما نقوم به , أنا وأنت , جل
عملية غش واحتيال , أليس كذلك ؟ أما بالنسبة إلى زواجي من امرأة
لا تريدني كما تقولين . . . فأنت لست امرأة , يا روزي , بل طفلة ,
وأشك في أنني سأجد صعوبة في العثور على سلوى في مكان آخر ,
أليس كذلك ؟
لم يكن يضاهيه أحد في الغطرسة , كما أدركت ثائرة وهي تبتعد
عنها ويمـد يده إلى جيب سرته الداخلــي . قال بلهجة واقعية وهو
يناولها علبة مجوهرات صغيرة .
ـ ستكونين بحاجة إلى هذا .
فتحتها روزي بأصابع مرتجفة , وإذا بشهقة صغيرة تفلت من بين
شفتيها وهي ترى الخاتمين داخلها . خاتم الزواج كان عادياً بسيطاً من
الذهب . أما خاتم الخطوبة الذي يتلاءم معه . . وأخذت تحدق فــــي
حجر الياقوت الأزرق المحاط بأحجــار مربعة متألقة من الماس ! قالت
بدهشـــة :
ـ إنها . . . رائعــة .
كان حجر الياقوت كثيفاً داكن الزرقة , بنفس لن عينيها مـــا
أدهشها وهي تتأمله , قالت بتردد :
ـ لا أستطيع لبسه , يا غارد . . . إنه . . . إنه باهظ الثمـــن .
أجــاب بحـــزم :
ـ بل يجب عليك ذلك . إن هــذا ما يتوقعه الناس . . . ويتطلعون
إليه .
أخــذت تتساءل عمــا إذا كان اختيار لون الياقوت متعمداً , أم أنه
قرار عشوائي توصل إليه بسرعة وضيق دون أن ينتبه إلى الشبه بين لونه
ولون عينيها .
ـ أعطيــني يدك .
فعلت ذلك كــارهة , وهو يدخل الخاتم في إصبعها بحزم , ثم
قالت بأدب :
ـ إنه . . . إنه رائع جــداً . شكــراً لك .
ـ هل هذا أحسن ما بإمكانك صنعه ؟ صوتك أشبه بصوت صبي
يشكــر رجلاً يمنحه مزيداً من مصروف الجيب . من المتعارف عليه أن
تشكـر الخطيبة خطيبها على مثل هذه الهدية بطريقة أكثر حرارة .
كان ينظر إلى شفتيها وهو يتكلم . شعرت بالضيق للخجل الذي
تملكها . كان يتعمد ذلك , طبعاً . حسناً , إنها ستريه . رفعت رأسها
إليه مذعنة وهي تشد على أسنانها مغمضة العينين , ثم انتظرت . .
وانتظـــرت .
عندما لم يحدث شيء , فتحت عينيها وحملــقت فيه بغــــضب .
فقال ســاخراً :
ـ إذا كان هذا غاية ما يمكنك عمله , فالأفضــل إخفاء زواجنا عن
الأنظار . لمعلوماتك الخاصة يا عزيزتي روزي , المرأة المخطوبة
حديثاً , والمفروض أنها غارقة في نشوة الحب , لا ترفع وجهها
وتنتظر قبلة خطيبها وكأنها مرغمة على تناول ملعقة دواء .
قالت غاضبة :
ـ لكننا لسنا غارقين في الحب .
ـ ولكل الأسباب التي تحدثنا عنها , كم من المهم جــداً ألا يعلم
أحد بهذا الوضع . إدوارد ليس أحمق , يا روزي ! إذا اكتشف أن لديه
فرصــة , مهمــــا كانت ضئيلة , لمنازعتك حقك في هذا المكان , لن
يتردد في انتهازهـــــا .
فقالت بحدة :
ـ ماذا علي أن أفعــل إذن ؟ آخــذ دروساً فــي كيفية عناق رجـــل
وكأنني أحبه بينما لست كذلك ؟ كلا , شكراً , لست بحاجة ذك .
ـ لا , ليس هذه ما أريد ! عناق بين عاشقين ملتزمين لا يشبه
بشيء تصرفك العشوائي المرتبك !.
حملقت روزي فيه بمزيج من الغضب والارتباك . أرادت أن
تخبره بأنها تعرف تماماً ما هو الشعور الذي يرافق عناقاً مع رجل
تريده , لكنها كانت تعلم أن هذا غير صحيح . ذك أن الرجال الذين
عرفتهم حتى الآن , لم يحركوا فيها أي عاطفة . قالت له بدلاً من
ذلك :
ـ أنا لست ممثلة , يا غارد! لا أستطيع إظهــار عواطف محمومة
عند الطلب . . .
قال بنعومة :
ـ ربما حان وقت تعلمك هذا .
كان ما يزال ممسكاً بيدها . . . وقريباً منها بحيث أن كل ما عليه ,
لكي يملأ الفراغ الذي بينهما , هو التقدم خطوة واحدة . أجفلت روزي
متوقعة أن يأخذها بين ذراعيه , عالمة بأنه من القوة بحيث لا يمكنها
تحرير نفسها منه . لكنه لم يفعل سوى أن رفع يده ببطء وأخذ يزيح
شعرها عن وجهها برقة وهو يقول بهدوء :
ـ هكذا يعامل الرجل العاشق المرأة التي يريد الزواج بها , يا
روزي, إنها تبدو له من الضعف والهشاشة والرقة بحيث يخاف تقريباً
من لمسها . يخاف تقريباً من أن مجرد لمسها سيشعل فيه من العاطفة
ما لا يستطيع السيطرة عليه . إنه يريدها من كـــل قلبه وبشكــل طاغٍ ,
لكنه في نفس الوقت يريد أن يسير معها ببطء بالغ . . إنه مــوزع بين
هاتين الرغبتين , لهفته إلى امتلاكهـا , و رغبته في . . أن يمنحها كل مـا
يمكنه من بهجـة . . . وهكذا يلمس بشرتها برقة وربما بيـد غير ثابتة .
وأثناء ذك , ينظر في عينيها , يريد أن يرى فيهما أن عواطفه , رغبته ,
حبه , كل ذلك متبادل بينهما . يريدها أن تعلم وتفهم مبلغ الجهــد
الذي يبذله للسيطرة على نفسه .
بدت كالمنومة مغناطيسياً حتى إنها لم تطرف بعينيها عندما رفع
غارد يدها اليسرى إلى ذقنه . تحررت لحظة من مغناطيسية عينيه حين
لامست أناملها خشونة ذقنه الــخفيفة .
شعرت بحرارة أنفاسه تلفح وجهها . وانفتحت شفتاها قليلاً
لحاجتها إلى المزيد من الهواء . أذهلها ما شعرت به من فارق بين
خبرته وخبرتها .
كان عناقه من الخفة , كأنه غير موجود , وكان ينبغي له مثل
هذا التأثير عليها . . . ثم فجأة ازداد ضغط ذراعيه بقوة كادت تشلها .
هكذا يعانق الرجل إذن ؟ أخذت روزي تفكر في ذلك ورأسها
يدور . . .
كانت صدمتها أشبه بألم جســدي سرى في كيانها جاعلاً عينيها
تغرورقان بالدمع .
. . . ابتدأت ترتجف عندما غمرت كيانها المشاعر . . . تملكها
الحرج وهي تحاول أن تفهم السبب في أن عناق غارد له القدرة على
خداع حواسها . . . فاندفعت إلى الخلف مبتعدة عنه بذعر . لم ترَ من
قبل عيني غارد بهذا الشكــل . . . ثم بصوت ممزق :
ـ لا .
وما لبثت أن تنفست بارتياح عندما حررها ووقف بعيداً عنها . بيد
أنها ما زالت تشعر بالاحمرار يصبغ وجهها رغم جهودها في كبح
ذلك . حــاولت أن تقول شيئاً . . أية ملاحظة عابرة . . . لكن عقلها
رفض أن يفكــر .
حين ابتعد متجهاً نحو الباب , وجت نفسها تتساءل بصمت كم
من النساء مررن في حياته ليبعثن فيه حقيقة هذه المشاعر العنيفة التي
لمستها لديه . ولما وصل إلى الباب , استدار نحوها محذراً :
ـ لقد فات أوان تغيير الرأي الآن , يا روزي !

نهاية الفصل الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:05 am

4 ـ الوجه الآخــر للزواج



ـ ماذا ستفعلين ؟
شعرت روزي بالتعاسة وهي تلاحظ الذهول والغضب في صوت
رالف .
مضى أكثر من أسبوع قبل أن تستطيع حمـل نفسها على إخباره
بزواجها . ليس لأنها كانت تتوقع منه ردة الفعل هذه , بل لأنها خافت
من أن يتكهن بالحقيقة .
كان بيتر ,مثل غارد , قد حذرها من الوضع الخطر الذي ستضع
نفسها فيه إذا ما تملكت الناس الشكوك في أن زواجها ما هو إلا حيلة
لترث المنزل , قائلاً :
ـ ربما نعلم , أنا و أنت , مبلغ ما تتضمنه دوافعك من إيثار وحب
للغير , ولكن الآخرين قد لا يعلمون ذلك .
ـ قال غارد إن إدوارد ربما يرفع دعوى احتيال ضدنا . هل هذا
صحيح ؟
قال بيتر حينذاك , بحــذر :
ـ هذا محتمل , ولكن عليه أن يقدم دليلاً كافياً يثبت زيف
الزواج . وأن يتمكن مثلاً من إثبات استحالة إنجاب طفل من هذا
الزواج . . .
ـ لكنك تعلم أن هذا صحيح .
ـ أنا أعلم وأنت تعلمين , وكذلك غارد , لكن غيرنا لا يعلم
بذلك , ولا يجب أن يعلم .
تجنبت روزي إخبار رالف عن الزواج , خوفاً من أن لا تستطيع
تمثيل دور الزوجة الغارقة في الحب . ولكن , في النهاية , لم يكن
حبها لغارد ما سألها رالف عنه , وإنما حب غارد لها .
ـ بالله عليك يا روزي , ألا ترين مــاذا يهدف إليه ؟ إنه يريد الشيء
الذي يعلم أن أمواله لا يمكنها شراؤه .
ـ أتعني أنــا ؟
فقال متجهمــاً :
ـ كلا , بل أعني منزل (( مرج الملكة )) . رغبته الدائمة في ذلك
المنزل ليست سراً , وقد رفض جدك أن يبعه إياه .
قاطعته حينذاك , متشاغلة بتسوية ثنيات ثوبها :
ـ أنا وغارد نحب بعضنا بعضاً , يا رالف .
ـ آه يا روزي . . . ألا يمكنك أن تري ؟ رجل مثل غارد لا يقع
في الغرام . .
سكت فجأة واحمر وجهه قليلاً .
ـ اسمعي , لا أريد أن أسبب لك ألمـاً , يا روزي . إنك فتاة
جذابة . . . فتاة بالغة الجاذبية . . . أمـا بالنسبة للخبرة . . . فأنت
وغارد كأنكمـا , تقريباً , من كوكبين مختلفين . لقد رأيت بنفسك , هنا
في الملجأ , ما يمكن أن تسببه العلاقات غير المتوازنة من تعاسة .
الألم الناشئ عن زواج غير متكافئ . هل ترين حقاً أنكمـا متماثلان
في كــل شيء ؟ أنك وهو . . . ؟
أخذت تكرر قولها :
ـ إننا مغرمان ببعضنا , و . .
فقاطعها قائلاً :
ـ وهو سيعلمك كل ما تجهلينه من أمر العلاقة العاطفية , كلام
فارغ! إذا كنت تعتقدين ذلك حقاً , أنت إذن لست الشخص الذي
أعرفه . إنه سيستمتع بالعبث معك عدة أسابيع , بكل تأكيد , ومن
الممكن , عدة أشهر . . . ولكن بعد ذلك . . . لا تقدمي على هذا
الزواج, يا روزي! لستِ بحاجة للزواج به , أنت . . .
ـ بل أنا بحاجة إلى ذلك .
نطقت بهذا الاعتراف الهادئ الحزين قبل أن تتمكن من منع
نفسها . خرجت هذه الكلمات رقيقة خافتة لدرجة أن رالف لم يتمكن
من سماعها .
رفعت بصرها إلى باب المكتب الذي انفتح فجأة واندفعت منه
امرأة مصحوبة بولدين صغيرين , طالبة التحدث إلى رالف . كانت
(( ليز فيليبس )) إحدى زبائن الملجأ المنتظمات . إنها غالباً ما تهجر
زوجها القاسي العنيف , معلنة بأن لا قوة على الأرض تجعلها تعود
إليه , لتعود إليه بعد أسابيع من تركه .
كانت روزي ترى ببراءة , وذلك في بداية عملها في الملجأ , أن
هذه المرأة تحب زوجها , ولذلك تعود إليه بعد كل خلاف . وكان
رالف يجيبها :
ـ نعم , كمـا يحب مدمن الكحول شرابه , ومدمن المخدرات
جرعــاته .
إنها مدمنة عليه . . على عنف علاقتهما , جزء منها يحتاج
ويشتاق إلى ما تراه إثارة في علاقتهما . ولكن مقابل كل (( ليز فيليبس ))
هنا , هناك مئة امرأة يرغبن بصدق في إنهاء علاقاتهن والبدء من
جديد , وهن بحاجة إلى مساعدتنا .
سألته ذات مرة بحيرة :
ـ وكيف تميز الفرق ؟
ـ بالخبرة . ككـل شيء آخــر .
ذلك الحين , ظنت أن رالف قاسٍ بغير حق . لكنها الآن أصبحت
أكثر حكمة . وها هي للمرة الأولى , تفكر في مشاكلها الخاصة أكثر
ممـا تفكر في الملجأ ونزلاته .
لم يبد السرور على غارد حين أخبرته بأنها ستدعو رالف إلى
حفلة زفافهما . لكن روزي أصرت على الأمر .
كان بيتر هو الذي سيحتل مكان ولي أمرها في الكنيسة , كما أن
غارد أرسل خبراً للنشر في الصحف عن زواجهما . ولم يكن
المدعوون إلى الاحتفال يتجاوزون بضعة أشخاص .
بقي على موعد الزواج يومان , وبعد ذلك يصبحان زوجاً
وزوجة . كان هذا وضعاً لم تستطع مخيلتها استيعابه . هي وغارد . . .
زوج و زوجة . . . وهي وغارد مشتركان في حيلة إذا ما اكتشفها
أحــد . . .
هل كل العرائس يتملكهن مثل هذا الشعور ؟ أم برودة يـديها
وجمود ذهنها هما فقط بسبب ظروف زواجها غير العادية ؟ هكذا
أخذت روزي تتساءل بتوتر حين وقفت السيارة أمام الكنيسة وخرج
منها بيتر .
هذا الصباح , وهي ترتدي ثوب الزفاف وتقف أمام المرآة , بينما
السيدة فرينتون تساعدها وتعتني بها , تملكها من الغم والكرب
والشعور بالذنب ما أوشكت معه أن تمزق الثوب وتهرب . لكن بيتر
كان قد وصل حينذاك حاملاً الأزهـار التي أرسلها غارد إليها , ومـا
لبثت أن تطورت الأحداث على نحو تصعب مقاومته .
منتديات ليلاس
وها هي ذي الآن , تدخل الكنسية الشامخة , مارة بالنافذة الأثرية
الملونة , التي كانت هدية من أحد أسلافها , بثوب زفافها الساتان
العاجي اللون الذي كان لأمها من قبلها . ومع ذلك , كان عليها أن
تعصر نفسها , بالرغم مما فقدته من وزن في الأسبوع الأخير . . . فقد
كان خصر أمها بالغ النحافة . وما زال بين ثنياته أثر من عطر تذكرت
روزي أن أمها كانت تستعمله , وعندما تعطرت به شعرت وكأنها
تحمل جزءاً من أمها .
دفعت هذه الذكريات دموعاً حارة إلى عينيها أخذت تغالبها
بعنف .
كان خمارها أبيض , في ما مضى , لكنه بمرور الزمن , أصبــح
عاجي اللون , وقد ورثته عن جدتها . ارتداؤها لهذه الملابس التي
سبق وارتديت بحب كبير , جعلها تشعر بنوع من التعويض عن نقص
مشاعرها الحالية .
زواج ؟ لم يكن هذا زواجاً وإنما اتفاقية عمل , وهذا كل شــيء .
إنه عقد . . .
شعرت بجو الكنيسة بارداً . برودة البلاط تحت قدميها تخللت
نعل حذائها الرقيق . كانت الكنيسة خالية بشكل كئيب . لم يكن سوى
الصفين الأولين من المقاعد مشغولاً . شخص مـا , لا بد أنه غارد ,
زين المكان بباقات ضخمة من الأزهار البيضاء والعاجية اللون , ما
أسبغ دفئاً خفف من عتمة المكان وصرامته .
عندما وقع نظرها على غارد , اضطربت خطواتها قليلاً . ومع أنها
كبحت آهة الضيق فلم يسمعها , إلا أنه التفت إليها . بدا شارد الذهن .
كان من الصعب التصور أنها على وشك الزواج به . ارتجفت , وسرها
أن الخمار أخفى ما ارتسم على ملامحها . قال بيتر لها محذراً :
ـ إدوارد يراقبك , ابتسمي .
إدوارد ! لم تكن روزي لاحظت وجوده في الكنيسة . لكنه رأته
الآن مصحوباً بزوجته وولديه . . . نسختين شاحبتين مقهورتين عن
أمهما . الشعر مسرح إلى الخلف , ويلبسان زيهما المدرسي ,
امتعضت روزي قليلاً وحولت عينيها عن أطول الولدين .
إنها تحرمه , بزواجها من غارد , من وراثة (( مرج الملكة )) .
ولكن , إذا ورثه إدوارد , فلن يكون هناك (( مرج الملكة )) كي يرثه هذا
الولد !
تعلقت بهذه الفكرة تلتمس فيها العزاء حين وصلت أخيراً إلى
جانب غارد .
أهـي جلجلة أجراس الكنيسة المبتهجة التي تشعرها بالغثيان , أم
لعلها صدمة تلك اللحظة عندما رفع غارد خمارها ونظر في أعماق
عينيها , بعد أن أعلنهما الكاهن زوجاً و زوجة ؟ أوشكت , لجزء من
الثانية , أن تنخدع بتلك المشاعر الرقيقة التي نطقت بها عيناه وهو
ينظر في عينيها , ظناً منها أنها حقيقة !
كانت هناك مجموعة من الناس تدور حولها . من أين جـاؤوا ؟
ميزت بينهم مجموعة من النساء قدمت من الملجأ , أناساً كانوا
يعرفون أباها وجدها . كلهم باسمون ضاحكون , يلقون بالتعليقات
المازحة عن فجائية هذا الزواج . كلهم ما عدا إدوارد .
توجست روزي خيفة وهي ترى الحقد في عينيه . كانت تعلم
دائماً أنه لا يحبها . لكن ذلك لم يكن يقلقها قط , فهي لم تكن تحبه
أيضاً , لكنها الآن تدرك أن كراهيته لها مختلفة . إنها الآن تقف بينه
وبين ما يتوق إليه ويعتبره حقاً له , وتملكتها قشعريرة .
ـ ما هذا ؟ مـاذا حدث ؟
أجفلت دهشة لسؤال غارد . لم تكن تتوقع منه أن يلاحظ
قشعريرة التوجس الصغيرة التي تملكتها . إذ كان يبدو مستغرقاً في
حديث مع بيتر بحيث لا يدع له مجالاً للانتباه إليها .
ـ لا شــيء !.
أجابته بذلك , مدركـة أن إدوارد ما زال يراقبها , بل يراقبهما معاً .
قال لها أحدهم :
ـ ثوبك جميل جداً !.
أجابت شاردة الذهن :
ـ شكراً , إنه ثوب أمـي !.
ـ هذا ما توقعته ! .
كان هذا غارد! إلتفتت إليه بدهشة فعاد يقول :
ـ كان أبوك يضع صورتها على مكتبه وهي ترتديه , إنه يلائمك ,
ولونه ينسجم مع لون بشرتك . إن له نفس اللون الدافئ . .
قال ذلك وهو يلامس عنقها بأصابعه . نبهته بصوت خافت
مختنق :
ـ إدوارد يراقبنا !
ـ نعم أعرف هذا .
سـألته باضطراب :
ـ أتظنه يشك فـي شيء ؟
ـ إذا كان الأمر كذلك , فهذه ستوقفه عند حده .
ـ هذه . . . ؟
ورفعت بصرها إليه مستفهمة , ثم جمدت في مكانها وهي تراه
يأخذها بين ذراعيه ويعانقها بطريقة تظهر للمشاهدين رجلاً بالغ
الشغف بعروسه إلى حد لم تمنعه نظرات المتحفظين المستنكرة من
إظهـار شعوره .
وعلى غير توقع منها , ومن خلف جفنيها المغمضين , شعرت
بالدمع يحرق عينيها .
ليس هذا الوقت مناسباً للانفعالات العاطفية ! ليس وقتاً لمقارنة
مشاعر أمها , حين ارتدت هذا الثوب , بمشاعرها هي الآن . .
عندما ترك غارد روزي , تنهدت زوجة إدوارد بحسد , قائلة :
ـ آه ! يا لشاعرية هذا المشهد ! . . . يا ليت أبوك . . .
سمعت روزي غارد يقول بهدوء :
ـ كان جون يعلم بشعوري نحو روزي .
منتديات ليلاس
أقرت روزي في نفسها بصحة قوله , ولكن ليس بهذا المعنى
تماماً . إنها تتذكر ما قاله أبوها مرة بشيء من الحسد , عن أن بإمكان
غارد أن يحصل على المرأة التي يريد .
كانت روزي في السابعة عشرة حينذاك , فتصرفت تبعاً لذلك إذ
قالت لأبيها متحدية :
ـ إنه لا يستطيع الحصول علي ! .
ضحك أبوها , قائلاً :
ـ أنت لم تصبحي امرأة بعد , يا حلوتي . وأنا أشك كثيراً في أن
غارد سيرغب فيك , على كل حال , لأنه يعرف جيداً أي صغيرة
سليطة اللسان أنت أحياناً . . .
سمعت روزي إدوارد يسألها :
ـ أين ستذهبان في شهر العسل ؟ أم غير مسموح لنا بالسؤال ؟
أجاب غارد عنها :
ـ لسانا ذاهبين إلى أي مكان , ليس حالياً على الأقل . لدي اجتماع
في بروكسل بعد يومين لم أستطع التملص منه . سنذهب , أنا
و روزي , إلى هناك غداً صباحاً .
يذهبان إلى هناك ؟! نظرت روزي إليه , لكنه كان ينظر في اتجاه
آخـر يجيب زوجة الكاهن عن بعض الأسئلة . وهكذا كان عليها أن
تنتظر إلى أن يصبحا وحدهما في سيارة الزفاف , لتسأله بضيق :
ـ لماذا أخبرت إدوارد أننا سنذهب معاً إلى بروكسل ؟ سيشك فـي
الأمر عندما يكشف أنني لم أذهب معك .
همست بهذا السؤال رغم أن الزجاج بينهما وبين السائق كان
مغلقاً , وهي تفكر بتعاسة في عواقب الخداع . . إذ يبقى الشخص
حريصاً . . . حذراً . . . شاعراً بالذنب . . .
ـ لن يكون هناك ما يدعوه إلى الشك , لأنني عنيت ما قلته .
سألته ساخطة :
ـ أتعني أنك تتوقع مني مرافقتك إلى بروكسل حتى دون
استشارتي ؟ لكنني لن أستطيع ذلك . . . المفروض أنني سأكون في
عملي في الملجأ . . .
ـ لا تكوني سخيفة , يا روزي ! رغم أن رالف يكرس نفسه لعمل
الخير , إلا أنه لن يتوقع عودتك إلى العمل بهذه السرعة .
قالت بتحد :
ـ لكنني أنا أريد ذلك .
فقال محذراً :
ـ إذا فعلت ذلك , ستعرضيننا للخطر , الزواج يتطلب أكثر من
مجرد طقوس كنسية .
أشاحت بوجهها عنه بغضب . إنها تعرف جيداً ما هي متطلبات
إتمام الزواج . لكن زواجهما لن يتضمن ذلك الجزء المعين , وغارد
يعلم هذا . تابع غارد بهدوء :
ـ إنه يتطلب درجة معينة من العلاقة الحميمة يقوم بها الأزواج .
لكن علينا , أنا وأنت , أن نعثر على طريقة أخرى , إننا بحاجة إلى
قضاء بعض الوقت بمفردنا لنثبت نفسنا في دورنا الجديد , يا روزي .
وعندما لم تجب , قال متصلباً :
ـ أنت التي أردت هذا الزواج , يا روزي ! . . .
قاطعته بغضب :
ـ لإنقاذ المنزل , وليس لأن . . .
في أعماقها , كانت تشعر أن غارد على حق , لكن آخر ما كانت
تريده هو أن تمضي معه وقتاً بمفردهما . إن هذا , في نظرها , يعقد
المشكلة بدلاً من أن يحلها . قالت بلهجة تنذر بالخطر :
ـ لا أريد أن أذهب معك , يا غارد! لا أريد أن أعود لأرى الناس
ينظرون إلينا . . . متفحصين . . . متخيلين . . . معتقدين . . .
قال رافعاً حاجبيه متحدياً :
ـ ماذا ؟
تمتمت متجنبة النظر إليه مباشرة :
ـ أنت تعلم ! .
ـ يظنون أننا كنا معاً في السرير ؟ وأن رحلة العمل ما هي إلا قصة
خيالية ؟
رأت من زاوية عينها كيف كان يطيل النظر إلى صدرها , فاحمر
وجهها على الفور . قال ساخراً :
ـ يا لهذا الخجل ! سوف تختبئين إذن لو أخبرتك كيف أريد أن
تتصرف معي زوجتي التي أحب !
فقاطعته :
ـ أنا أعرف كيف تحب أن تهزأ مني , يا غارد ! نعم , أنا أخجل
عندما تتحدث عن مثل . . . مثل هذه الأشياء الخاص جداً . صحيح ,
أن خبرتي لا يمكن مقارنتها بخبرتك , ولكنني أفضل أن أكون دائماً
كما أنا .
و عندما لم يحاول مقاطعتها أو السخرية منها , أضافت بشيء من
الثقـة .
ـ أفضل ألا أفعل .
ـ سؤال صغير فقط , يا روزي . لماذا لا تريدين أن تفعلي هذا ؟
أجابت بصوت متهدج :
ـ أنت تعلم السبب .
قال ساخراً :
ـ لأنك تدخرين نفسك لرجل أحلامك ؟ وماذا يحدث إذا لم
تعثري عليه , يا روزي ؟ ألم يسبق أن سألت نفسك هذا السؤال ؟
ألقى غارد عليها هذا السؤال بعنف بالغ غير متوقع , ما جعلها
ترتجف .

نهاية الفصل الرابـــع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:06 am

5 ـ امرأة لا طفلة !


ـ لكن هذا ليس فندقاً !.
قالت روزي محتجة عندما صعد غارد بسيارتهما المستأجرة في
طريق خاص ثم أوقفها أمام مدخل قصر مهيب مبني بالحجر .
منذ أعلن غارد أنها ستذهب معه إلى بروكسل , أخذت روزي
تحتج وتجادل , ولكن من ون جدوى . ذات مرة انفجرت فيه
غاضبة :
ـ وما المفروض أن أقوم به أنا أثناء وجودك في الاجتماعات ؟
ـ لم يخطر ببالي قط أنك أنانية إلى هذا الحد !
حملقت فيه آنذاك بارتياب , وساورتها شكوك في دوافعه الخفية ,
وخيل إليها أنها تعلم جيداً ما هي . إنها ليست حمقاء . . . وكان
ردهـا :
ـ لست ذاهبة معك , يا غارد ! ولا أريد الذهاب ! .
ولكن , بطريقة أو بأخرى , لم تنفع كل احتجاجاتها . وها هي
ذي الآن هنا تنظر إليه بقنوط , ساخطة لقدرته على البقاء هادئاً في
حين كانت مشاعرها تضطرب اضطراباً شديداً .
لم تكن معتادة على أن لها زوج , وكرهت افتراض غارد بأنه هو
الذي يقرر ما يجب أو لا يجب عمله .
أجاب الآن بهدوء :
ـ لا , إنه ليس فندقاً . إنه بيت خاص . و (( المدام )) صاحبة القصر
هي سيدة فرنسية . وبدلاً من أن تبيع البيت بعد وفاة زوجها , قررت
أن تزيد دخلها بتأجير غرفه . ومثل أكثر الفرنسيات , هي ليست
طاهية ممتازة فحسب , وإنما مضيفة ممتاز وماهرة جداً في توفير
أسباب الراحة .
قطبت روزي جبينها . شيء ما في صوت غارد وهو يتكلم عن
صاحبة القصر ضايقها . ومن دون حاجة إلى مزيد من الوصف ,
تصورتها روزي على الفور إحدى تينك الفرنسيات الأنيقات دائمات
الشباب اللواتي تشعر , هي شخصياً , بالخوف منهن .
ـ لكن , قلت إن لديك عملاً في بروكسل , وهذا المكان يبعد
عنها أميالاً ! .
ـ ليس أكثر من ساعتين بقليل في السيارة . و هذا كل شيء !
وإقامتي هنا تعطيني عذراً لئلا أتورط في أحداث بروكسل السياسية .
فكرت في أنك ستحبين هذا المكان . كنت تقولين دائماً إنك تفضلين
الريف على المدينة .
ابتعدت روزي بنظراتها عنه . كان صحيحاً أنها تفضل الريف ,
وربما كانت ستستمتع بهذه الرحلة في أحوال عادية . لكنها , في
العادة , ما كانت لتأتي إلى هنا مع غارد , زوجة له .
في هذه الأثناء , كان غارد قد نزل من السيارة واستدار ليفتح لها
الباب . ورغم تفضيلها الكنزة والبنطلون عادة , إلا أنها كانت ترتدي
تنورة صوفية طويلة وصداراً مناسباً تحته قميص حريري بني اللون ,
وفوق كل ذلك سترة مناسبة أحضرتها معها تحسباً للبرد . كانت
ارتدت هذه الملابس لعلمها أنها تُظهرها نحيفة , ما جعلها مسرورة
عندما انفتح باب القصر وبرزت امرأة غارد الفرنسية .
كانت ترتدي السواد . . تنورة سوداء من الكريب اشتبهت روزي
في أنها من إحدى دور الأزياء , فوقها قميص بسيط من الساتان
ووشاح من الكشمير حول كتفيها . عقد اللآليء الذي كان يتألق حول
عنقها , والمؤلف من ثلاثة حبال , لا بد أنه حقيقي , وكذلك الخواتم
الماسية في أصابعها والقرطان في أذنيها . ولكن ليست أناقتها هي التي
أذهلت روزي , التي أخذت كارهة تصعد السلم خلف غارد , وإنما
عمرهـا .
منتديات ليلاس
لم تكن المرأة , كما توقعت روزي بين الخمسين والستين من
عمرها , وإنما أقرب إلى الأربعين . إنها أقرب إلى غارد في العمر
منها هي . أما لماذا شعرت بمثل هذا العداء نحو (( المدام )) فلم يكن
لديها جواب . وأما أنه شعور متبادل , فالأمر واضح !
التفتت (( المدام )) إلى غارد , متجاهلة روزي تماماً , لتقول له
ببرودة :
ـ آه , لم أدرك أنك ستحضر معك . . . صديقة !
قال غارد بحزم وهو يقدم روزي :
ـ روزي هي زوجتي .
أكانت صديقة أم زوجة , لم يشكل ذلك أي فرق بالنسبة إلى
(( المدام )) كان واضحاً أن وجود روزي لم يسرها .
ـ وضعتك في جناحك المعتاد .
أخبرت غارد بذلك وهي تقف بينهما بشكل جعلها تواجه غارد ,
مديرة ظهرها لروزي , ثم أخذت تتحدث إليه بلغتها الفرنسية .
لكن روزي تتحدث الفرنسية بطلاقة . كان لديها موهبة تعلم
اللغات , نمتها سنوات إقامتها في ألمانيا مع والدها . وفرنسيتها , في
الواقع , أكثر طلاقة من فرنسية غارد بكثير . كانت (( المدام )) تقول :
ـ وعلى كل حال , إذا كنت تفضل غرفة أخرى . . .
غرفة أخرى ! . . وخفق قلب روزي بضيق . كانت تفترض أن
إقامتها ستكون في فندق كبير , وفي غرفتين منفصلتين . كما
افترضت أن رغبة غارد في مشاركتها غرفة واحدة ستكون ضعيفة مثل
رغبتها هي .
قال غارد للمدام :
ـ لا ! جناحي المعتاد مناسب تماماً !
الردهة الواسعة , المعرضة لتيارات الهواء , جعلت روزي
مسرورة بتنورتها الطويلة .
كان منزلها (( مرج الملكة )) أكثر دفئاً بسقفه المنخفض والخشب
السميك الذي يغطي الجدران . لكن هذا المكان , بغرفة العالية
السقوف , وجدرانه الحجرية العارية , لا بد أنه يسكون كابوساً . . .
بالنسبة إلى الدفء . هكذا أخذت روزي تحدث نفسها , فيما كانت
المرأة تتقدمها صاعدة السلم الحجري .
كانت السجادة التي تغطيه , رغم أنها بالية تقريباً , مطرزة بما
افترضت روزي أنه شعار أسرة الزوج الراحل . وقفت تتفحصها عن
قرب , متسائلة عما إذا كانت ترجمتها صحيحة لما قرأته في ناحية
منها . ومفاده أن إحدى سيدات القصر كانت في وقت ما عشيقة
للملك وولدت منه طفلاً .
كانت (( المدام )) تصعد الدرج مع غارد , جنباً إلى جنب , معربة
بالفرنسية عن أسفها لأن وجود زوجته معه يعني أنهما لن يتناولا
العشاء بمفردهما . أجابها هو بالانكليزية بكياسة بالغة :
ـ مع الأسف ! لكنني واثق من أن روزي ستستمتع بتذوق طعامك
اللذيذ .
قوله هذا جعل روزي تحملق فيه . لم يكن ثمة حاجة لأن يتدرب
هنا على تمثيل دور الزوج المحب .
كادت تقول أن بإمكانهما , هو و المدام , أن يستمتعا بالجلوس
وحدهما قدر ما يشاءان من المرات , دون أي مانع من ناحيتها .
لكنها بدلاً من ذلك , قالت للمدام بابتسامة باردة ولغة فرنسية طليقة
بأنها , في الواقع , تتشوق إلى طعامها اللذيذ .
لم تقل المدام شيئاً , بل نظرت إليها بعينين ضيقتين , وزمت فهما
المصبوغ باللون القرمزي . ولم تعد تتحدث إلى غارد بالفرنسية , وهي
تقودهما خلال الممر ثم تقف أمام باب من الخشب الثقيل قائلة
لروزي بتكلف ودون قناعة :
ـ أنا واثقة من أن كل شيء سيكون حسب رغبتكما !.
وهذه المرة , جاء دور روزي لتكون شاردة الذهن غير متجاوبة .
عندما تركتهما المرأة , خطر في ذهنها أن العلاقة بينها و بين غارد
هي أعمق بكثير من تلك التي بين المضيفة والنزيل . لكن من الغريب
أنها لم تفصح عن شكوكها هذه , علماً أن تسرعها كان على الدوام
مدار مزاح في أسرتها . كانت تعلم , آسفة , أنها تميل إلى الكلام قبل
التفكير , ولكن بالنسبة إلى حياة غارد الشخصية , وخبرته مع النساء ,
لم يكن الإدلاء بتعليقات غير حذرة من شأنه أن يمنح غارد الفرصة
لتعييرها ببراءتها وجهلها .
منتديات ليلاس
لم تكن تشعر بمثل هذا الضيق مع الرجال الآخرين , وإنما
العكس تماماً . عندما تجاوزت غارد داخلة إلى غرفة الجلوس في
الجناح , شمت على الفور رائحة عطر المدام في الجو . أخذت
تتفحص ما يحيط بها بصمت . الأثاث المذهب , المرآة الضخمة
المذهبة فوق المدفأة , الأغطية المطرزة باليد , والستائر الحريرية
القديمة الطراز . كما أضفت زهريات تحتوي على زنابق بيضاء أناقة
على الغرفة .
أدركت روزي ذلك وهي تنظر إلى البساط (( الأوبيسون )) الذي
بهت لونه , مقطبة الجبين , شاعرة بالرهبة من هذا الجو القديم
المحيط بها .
ـ أنا عادة أستعمل غرفة النوم هذه .
سمعت غارد يقول هذا من خلفها وهو يفتح أحد البابين اللذين
يؤديان إلى خارج الغرفة .
ـ إن لها حمامها الخاص خلافاً للغرفة الأخرى . ولكن إذا كنت
تفضلين . . .
ما تفضله هو أن تكون الآن في بيتها وحدها , كما يعلم جيداً .
ـ هذا لا يهمني . ولكن أليس الأفضل لك أن تنام في الغرفة ذات
الحمام ؟ وبعد , أنا واثقة من أن المدام تتوقع أن تكون مستعداً
تماماً حين تنضم إليها لعشائكما المنفرد! .
ـ أتغارين ؟!
هذا اللوم الرقيق غير المتوقع , جعلها تصمت ذاهلة .
تغار . . . كيف يمكن أن تكون كذلك ؟ إن غارد لا يعني لها
شيئاً . المشاعر الوحيدة التي بينهما هي سخريته منها وبغضها العقيم
له . تغار . . . هذا مستحيل ! . . . إن غارد يعلم ذلك , فلماذا إذن
يرميها بالغيرة ؟
هزت رأسها غير قادرة على الإنكار . ولماذا تفعل وليس هناك ما
تنكره ؟ بدلاً من ذلك , أشاحت بوجهها عنه وهي تقول بغضب :
ـ لم أكن أريد القدوم إلى هنا , يا غارد .
ـ ربمــــــا هــــــذا صحيــح , ولكنك هــــنا الآن . أنت هنــا , وأثناء
وجودنا . .
عندما أخذت تبتعد عنه , توجه نحوها ساداً طريقها إلى باب غرفة
النوم .
ـ انظري إلي يا روزي . إنك لم تعودي طفلة لكي يُسمح لك
بالهرب من النقاش لإنقاذ ماء وجهك حين تعرفين أنك خاسرة .
فنظرت إليه بمرارة :
ـ النقاش ؟ وهل هناك من هو مسموح له بأن يناقشك , يا غارد ؟
إنك كُلي القدرة . . كلك رأي . . وكلك معرفة . استمر إذن . . ماذا
عن (( أثناء وجودنا هنا ))؟ يمكنني الجلوس كطفلة مطيعة بينما أنت
و المدام . . .
قال متجهماً :
ـ لا شيء بيني وبين الكونتيسة !
ـ ربما كلامك صحيح . لكنها تحب أن يكون ذلك .
استمر يقول متجاهلاً تعليقها :
ـ أكرر أن لا شيء بيننا . ولو كان هذا موجوداً . . .
فساعدته على إتمام كلامه , ساخرة :
ـ لكان ذلك ليس من شأني .
ـ ربما هذا صحيح . ولكنه ليس ما كنت أريد قوله . ما كنت أريد
قوله يا روزي هو أن عليك أن تحاولي وضع عداوتك لي جانباً ,
وتستخدمي المنطق والتعقل بدلاً من إطلاق مشاعرك . إن سبب
إصراري على إحضارك معي في هذه الرحلة هو أن نمنح نفسنا وقتاً
نعتاد فيه على وضعنا . . . الجديد . هل من التعقل إذن أن أفعل ذلك
ثم أحضرك إلى منزل عشيقتي ؟ ليس عليك أن تقلقي , يا عزيزتي ,
عندما ألح عليك بالمجيء معي في رحلة عمل , وإنما عندما أبداً
باصطناع المعاذير لئلا آخذك معي . . .
لأمر ما , كان يبتسم , وهذا ما أثار غضب روزي فصعد الدم إلى
وجهها . قال ساخراً وهو يلمس وجنتها بأنامل باردة :
ـ كثير من المشاعر المتوقدة وقليل من المنافذ لتصريفها !
أمرته قائلة بحرارة :
ـ كفى استعلاءً يا غارد ! أنا لست طفلة !
اختفت ابتسامته ليحل مكانها نظرة تقييم هادئة :
ـ لست طفلة ؟ ليت هذا صحيح !

ـ لا , شكراً , لا أريد مزيداً من الشراب !
رفضت روزي ذلك وهي تهز رأسها محاولة كبت تثاؤبها .
لم يبالغ غارد في مدح موهبة (( المدام )) في الطهي . لكن روزي لم
تستمتع حقاً بالطعام . فالطريقة التي تعمدت فيها المدام استبعادها من
الحديث , مقتصرة على غارد , جعلتها تشعر إزاءها بالتسلية أولاً , ثم
بالضيق بعد ذلك . وتوخياً للإنصاف , كان عليها أن تعترف بأن غارد
بذل وسعه لكي يوقف سلوك المدام السيء , محاولاً إدخال روزي في
الحديث , لكن روزي تعبت من هذه اللعبة وتمنت لو تعتذر ثم تهرب
إلى سريرها . قالت بهدوء :
ـ في الواقع , إذا لم يكن هناك مانع , أريد أن أذهب إلى النوم .
ثم وقفت قبل أن يتمكن غارد من قول شيء . حيت مضيفتها
بتكلف , مادحة الطعام . قال غارد بصوت هادئ غير متوقع :
ـ أظنني سآتي معك .
قالت باحتجاج :
ـ كلا , بل إبق هنا !
لكن غارد كان سبق وأمسك بمرفقها , مضيفاً شكره إلى شكرها ,
وهو يسير معها نحو الباب . عندما أصبحا في الردهة , قالت له بحدة :
ـ ما كان يتوجب عليك ذلك . كان يمكنك البقاء .
قال ساخراً :
ـ وأترك عروسي وحدها ؟
حملقت فيه مزمومة الشفتين وقالت غاضبة :
ـ لا حاجة للسخرية بهذا الشكل ! لست حمقاء على الإطلاق , يا
غارد ! أنا أعلم جيداً أنك . . .
عندما سكتت , قال بسرعة :
ـ أنني ماذا ؟
لكن روزي رفضت الجواب مكتفية بهزة من رأسها . ما الفائدة
من قول ما يعرفانه , هما الاثنان؟ أنها آخر امرأة كان غارد سيفكر في
الزواج بها , كما أنه آخر رجل كانت تريد الزواج به .
عادت تكرر اعتراضها السابق , وبانفعال هذه المرة :
ـ لا أدري لماذا أحضرتني إلى هنا ! ما المفروض أن أفعله بنفسي
حين تكون في بروكسل ؟ أطلب من المدام أن تعلمني الطهي ؟
ـ إنك لن تبقي هـنا , بل سترافقينني .
ـ مـاذا ؟!
ـ أظنك ستجدين السيد (( ديبوا )) على شيء من الأهمية . وحيث
أنه لا يتكلم الانكليزية , وفرنسيتي ضعيفة نوعاً ما , سأكون شاكراً
مساعدتك .
ماذا يعني غارد بقوله إنها ستجد السيد (( ديبوا )) مهماً ؟ إن عمل
غارد يتضمن تفاصيل معقدة جداً وبرامج على الكمبيوتر , وهو
موضوع لا تعرف عنه روزي إلا القليل , كما يعلم غارد جديداً . تابع
غارد يقول وكأنه يقرأ أفكارها :
ـ السيد ديبوا عالم خبير بالبيئة . وهو المتحدث باسم مجموعة
بالغة النفوذ في السوق الأوروبية المشتركة تطالب بمزيد من السيطرة
على فساد البيئة في الأرياف . وحيث أنني أعلم اهتمامك بهذا الأمـر ,
ستجدان الكثير لتتحدثا عنه .
ليس من عادة غارد أن يعطيها رأياً لا يتضمن نوعاً من السخرية ,
ما جعلها , لأول مرة , لا تعرف ماذا تقول .
ـ وطبعاً , وجودك معي سيوفر علي أجر مترجم .
نظرت إليه ساخطة . للمرة الأولى تخدع به فتظنه يعتبرها نداً
له . . . امرأة راشدة . تملكها حنق كاد يدفعها إلى رفض الذهاب
معه . لكن البقاء في القصر وحدها لم يكن شيئاً ساراً .
قال لها وهو يفتح باب جناحها :
ـ لدي بعض الملاحظات أريد قراءتها . إذا كنت تريدين استعمال
الحمام أولاً . . .
أدركت أن عليها أن تشكر لباقته هذه , لكنها بدلاً من ذلك ,
شعرت بالانزعاج والارتباك كطفل أرسل إلى النوم لئلا يزعج وجوده
الكبار . هل ادعاء غارد بأنه سيقوم ببعض الأعمال , ليس إلا عذراً
للعودة إلى الطابق السفلي لموافاة المدام ؟
لو كان غارد يريد البقاء مع المرأة الفرنسية , لما كان بحاجة إلى
الكذب ! هكذا فكرت روزي بغضب , إنه حر تماماً من هذه الناحية ,
أو هما الاثنان كذلك .
لماذا إذن شعرت بالضيق حين رأيت فم المدام القرمزي يهمس
شيئاً في أذن غارد ؟
منتديات ليلاس
سبب ذلك , كما أخذت روزي تفكر باستياء , ليس سلوك المدام
المريب , و إنما هو استياءها من طعامها الدسم في معدتها .
عندما وافقت بيتر على القيام بمحاولة إنقاذ المنزل , لم تدرك
بالضبط ما عليها أن تواجهه . فكرت في هذا باكتئاب وهي تخلع
ملابسها وتنزل في حوض الحمام الضخم . كان ضغط أحداث
الأسبوعين الأخيرين أكثر مما توقعت . . ومما تريد أن تعترف به .
مضت لحظة , أثناء تناولها فطور يوم الزفاف , نظرت فيما حولها
إلى الوجوه المألوفة . فشعرت فجأة , بلهفة قوية إلى أبيها وجدها
ليخففا عنها . وإذ ملأت الدموع عينيها وخنقتها , أكبت فوق صحنها ,
آملة ألا يكون أحد قد لاحظ ذلك . كان غارد مستغرقاً في حديث مع
زوجة إدوارد , أو هكذا ظنت , ما جعلها تشعر بمزيد من الخجل
عندما دس في يدها منديلاً كبيراً نظيفاً , قائلاً بهدوء :
ـ أنا أيضاً أفتقدهما , يا روزي ! إنه , على الأقل , شعور مشترك .
اغرورقت عيناها الآن بالدموع , على غير توقع منها . أخذت
تغالبها غاضبة . ماذا حدث لها هذه الأيام ؟ لم تكن قط من النوع
الذي يبكي بسهولة .
قد تكون المدام سخية بالنسبة للطعام , لكنها بخيلة بالنسبة للماء
الساخن . أخذت روزي تفكر في ذلك وهي تغتسل بسرعة وتقفز إلى
خارج الحوض , لتلف نفسها بمنشفة كبيرة بيضاء ثم تبدأ بتنشيف
جسمها بسرعة لتبدد بذلك ذكرياتها غير المرغوب فيها .
عندما ارتدت قميصها القطني بالصورة الكاريكاتورية المطبوعة
عليه من الأمام , نظرت في المرآة وعبست .
اعترفت بأن أحداً لن يصدق أنها عروس سعيدة إذا ما رأى
صورتها على هذا النحو .
عندما يتزوج غارد , أو إذا تزوج , لا يمكن أن يكون ذلك بفتاة أو
امرأة ترتدي ليلة عرسها قميصاً قطنياً وملابس داخلية عادية , التقطت
ملابسها التي كانت خلعتها , ثم توجهت إلى غرفتها منادية عندما
دخلتها :
ـ انتهيت من الحمام الآن , يا غارد ؟
سكوت ! أتراه سمعها ؟ قطبت جبينها وهي تعض باطن شفتها ,
ناقلة نظراتها بين باب غرفتها المغلق وبين السرير . . . آخر ما كانت
تريده هو أن يوقظها طرق غارد على بابها ليعرف أين هي .
تأوهت بصوت خافت ثم سارت إلى الباب تفتحه . كان غارد
جالساً إلى المكتب أمام النافذة , ورأسه فوق أوراق منشورة أمامه .
أخذت تراقبه لبضع ثوانٍ. كان شيئاً نادراً , بالنسبة إليها , أن تتمكن
من مراقبته دون أن يلحظها . يا له من رجل بالغ الوسامة ! اعترفت
لنفسها بذلك وقد خفق قلبها . رجل تتمنى معظم النساء الزواج منه .
لكنها ليست واحدة منهن . . عندما تتزوج . . .
ـ ماذا حدث , يا روزي ؟
ألقى بهذا السؤال الهادئ من دون أن يرفع رأسه أو ينظر إليها ,
موضحاً بذلك أنه لم يكن غافلاً عن وجودها . وأضاف متجهماً :
ـ إذا كنتِ ستخبرينني بأنك لا تستطيعين النوم من دون دميتك ,
إذن فأنا آسف . . .
أظلمت عيناها غضباً . إنها لم تنم مع دميتها منذ سنوات . حسناً ,
فقط أثناء الأسابيع الأخيرة , عندما حطمها فقدها لأبيها وجدها .
قالت له بكبرياء :
ـ جئت لأخبرك بأنني خرجت من الحمام .
ـ أتريدين فنجان قهوة قبل النوم ؟
فاجأها سؤاله . اتسعت عيناها قليلاً واحمر وجهها عندما وضع
من يده الأوراق التي يدرسها ثم التفت إليها . شعرت بأنها تحب
أن تتناول فنجان قهوة , لكنها كانت خجلى من كونها في قميص
النوم .
قالت بضيق :
ـ الأفضل . . . الأفضل أن أذهب لألقي علي رداء آخر . . .
أنا . . .
أجفلت عندما وقف , رافعاً حاجبيه الأسودين بسخرية وهو يتقدم
نحوها .
ـ هذه حشمة بالغة يا روزي ! لكنها غير ضرورية . أظن لدي ما
يكفي من السيطرة على مشاعري فلا أستسلم لإغراء منظرك بقميص
النوم . ثم إن قميصك هذا ليس شديد الإغراء , أليس كذلك ؟ إنه ليس
قميص عروس , بالضبط كما . . .
ـ أظنك عندما تذهب إلى سريرك ستلبس بيجاما حريرية .
دافعت روزي عن نفسها بهذا القول متذكرة رواية كان البطل فيها
يرتدي تلك الملابس . وتابعت تقول :
ـ ولكن لمعلوماتك الخاصة . . .
سكتت فجأة عندما أخذ غارد يضحك . لم تكن رأته يضحك من
قبل إلا نادراً . ولأمر ما , سبب ضحكه هذا , لها , طعنة مؤلمة في
صدرها .
سألته بارتياب :
ـ ما هذا , ولماذا تضحك ؟
قال يهز رأسه والمرح بادٍ في عينيه :
ـ لا يا روزي ! أنا لا أرتدي بيجاما حريرية . أنا , في الواقع لا
أرتدي شيئاً على الإطلاق .
قال جملته الأخيرة , وهو يحدق فيها بإمعان .
لم تستطع روزي منع وجهها من الاحمرار خجلاً وارتباكاً . ليس
فقط لما قاله , حتى ولا لضحكه هذا , وإنما للصورة المفزعة التي
تمثلته فيها عارياً .
غصت بريقها , وقد منعتها صدمة مشاعرها من ملاحظة كيف
تحول الهزل في عيني غارد إلى تفحص دقيق . قطب جبينه لما بدا
على وجهها من شحوب وألم .
سمعته يقول لها فجأة :
ـ اذهبي إلى سريرك , يا روزي ! لقد عانيت كثيراً من التوتر
والإجهاد , مؤخراً تصبحين على خير . . .
شعرت روزي بأن كل هذا كثير عليها , فقالت بصوت خنقته
الدموع :
ـ أنا لست طفلة , يا غارد . أنا امرأة . . راشدة , وقد حان
الوقت لأن تدرك هذه الحقيقة وتعاملني على أساسها .
غالبت بغضب دموعها التي كانت تحجب عنها الرؤية , وإذا بها
تسمع صوت غارد يقول محذراً :
ـ لا تغريني , يا روزي ! لا تغريني ! .

نهاية الفصل الخامس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:08 am

6 ـ لم تستطع الهرب


6 ـ لم تستطع الهرب


ـ إذن , فقد تزوج غارد أخيراً ! لا يبدو أنني أستطيع لومه !
قال السيد (( ديبوا )) هذا لروزي وهو يصافحها بعد قيام غارد
بواجب التعارف بينهما . ثم سأل غارد بإنكليزيته الحذرة :
ـ متى تزوجت , يا صديقي ؟
ـ منذ فترة قصيرة .
قال السيد (( ديبوا )) لروزي معتذراً :
ـ لا بد أنك غاضبة مني جداً , يا سيدتي . ولكن ليس بمقدار
غضب غارد , كما أظن . لكنه الوحيد الذي أثق به للقيام بمثل هذا
العمل الهام لنا . من المهم جداً , عندما نعرض قضيتنا على
السلطات , أن يكون لدينا كل المعلومات . . . الواحد منا , هذه
الأيام , لا يكتفي بالمعلومات والبلاغة , بل عليه أن يقدم وقائع ,
وأرقاماً , ورسوماً بيانية . عليه أن يتعلم الكمبيوتر , أو يتحمل
العواقب . هل أخبرك غارد شيئاً عن أعمالنا ؟
سأل روزي هذا وهو يدعوهما إلى مكتبه الفسيح المشرف على
مركز الأعمال في المدينة .
ـ بعض الأشياء .
أجابته بذلك , معترفة لنفسها على كره منها , بأنها مستمتعة ,
نوعاً ما . شعرت بالسرور لاستعمال عقلها وقدراتها اللغوية , وأكثر
من ذلك شعورها بأنها ماهرة في شيء لا يستطيع غارد أن يماثلها فيه
تماماً .
وكما سبق أن قال غارد , كانت إنكليزية السيد (( ديبوا )) محدودة
جداً . كثير من الاصطلاحات التقنية التي كان يستعملها وهو يشرح لها
بحماسة احتياجات مؤسسته , غير مألوفة لديها , رغم أنها
تمكنت بسرعة من تفسير معانيها .
أثناء متابعة غارد لحديثهما . استطاعت أن ترى من تقطيبة
لجبينه , بأنه يجد صعوبة في ذلك . ودون أن تعلم السبب , وجدت
نفسها تسكت السيد (( ديبوا )) بلطف , ثم تلتفت إلى غارد بسرعة لتشرح
له ما كانا يقولان , غير منتبهة أثناء ذلك لجو السلطة والثقة بالنفس
الذي بدا في صوتها أو للنضج الذي أسبغه ذلك عليها .
عندما نظر السيد (( ديبوا )) في ساعته أخيراً , هتف مدهوشاً للوقت
الطويل الذي أمضوه . دهشت هي أيضاً لسرعة مرور الوقت , ولمبلغ
استمتاعها بما كانت تفعل , رغم أنها كانت تزعم دائماً أمام أبيها
وغارد أنها لا تحب الكمبيوتر وملحقاته , ويسعدها جداً أن تدع
الأمور كما هي .
عندما نهضا للخروج , التفت السيد (( ديبوا )) إلى غارد , قائلاً :
ـ أنا وزوجتي سنقيم حفلة عائلية صغيرة هذا المساء , احتفالاً
بتخرج ابنتنا الكبرى من الجامعة . و يسرني جداً أن تكونا معنا إلا إذا
كان لديكما خطط أخرى . . .
أجاب غارد بسرعة :
ـ كلا على الإطلاق ! متى تريدنا أن نكون هناك ؟
حالما أصبحا بمفردهما , التفتت روزي إليه محتجة .
ـ لا يمكنني الذهاب إلى حفلة , يا غارد . لم أحضر معي ملابس
لائقة بالمناسبة
قال بجفاء .
ـ ليست بروكسل قائمة على كوكب آخر ! إن فيها متاجر جيدة
جداً , على ما أعتقد . كما علي أن أحذرك , يا روزي , من أن السيد
(( ديبوا )) رجل تقليدي . وأظن أن تقديره البالغ لك سيصدم بشكل ما إذا
أنت لبست ثوباً في حفلة ابنته سبق واشتريته من الحوانيت الخيرية ,
وربما سيعتبر ذلك إهانة .
التفتت إليه روزي غاضبة وقالت بحدة :
ـ لست بحاجة إلى أية محاضرة منك , يا غارد , بالنسبة لما ألبس
أو لا ألبس .
كان لديها في بيتها ثوبان أسودان قصيران اشترتهما خصيصاً
لتلبسهما عندما كانت تخرج مع أبيها أو جدها في المناسبات
الاجتماعية المختلفة . ربما كانت تفضل البنطلون المريح , أو الأثواب
المخملية و الحريرية التي تلتقطها من التنزيلات والأسواق الخيرية .
لكنها ما كانت , بأي شكل لتُحرج أيا منهما بارتدائها ثوباً تعلم أنه
يشعرهما بعدم الارتياح .
لكن غارد كان شيئاً مختلفاً تماماً .
منتديات ليلاس
لقد أحبت , على كل حال , السيد (( ديبوا )) , وأدركت بنفسها ,
دون حاجة إلى معلومات غارد , أنه من النوع التقليدي .
قال غارد وهو بنظر إلى ساعته :
ـ لسوء الحظ , لدي اجتماع آخر عصر اليوم , وإلا لذهبت معك
إلى السوق !
قالت له باختصـــار :
ـ لا داعي , شكراً .
إن آخر ما تريده هو أن يقف غارد معها في متجر أزياء ليخبرها
بما عليها أن تشتري . سألها :
ـ ما رأيك بتناول الغداء ؟
أجابت كاذبة :
ـ سلت جائعة .
تبددت الآن تلك الغبطة التي كانت تشعر بها . لم يجعها غارد
غاضبة فقط بتعليقاته على ملابسها , وإنما . . . وإنما ماذا ؟ جرح
كرامتها ؟ آلمها ؟ هذا مستحيل . لا شيء مما يقوله غارد يمكن أن
يحدث فيها بهذا الأثر . ذلك لأن ليس له عليها مثل هذا التأثير .
ـ إذا كنت بحاجة إلى نقود , يا روزي . . .
لكنها هزت رأسها نفياً قائلة بغضب :
ـ بمقدوري شراء ملابسي , يا غارد .
ـ نعم , أعلم هذا ! اسمعي , يا روزي ! عندما تعثرين أخيراً على
رجلك الكامل الرائع , أرجو أن تتذكري كم ما زلنا , نحن الرجال ,
رجعيين , من طراز ما قبل التاريخ .
سألته بارتياب :
ـ ماذا تعني ؟
ـ أعني أنه , بالرغم من أنني لا أكره شيئاً كما أكره المرأة التي
تلتصق بالرجل كالنبات المتسلق , إلا أننا , نحن الرجال , ما لنا
تستمتع بكوننا نستطيع تدليل نسائنا وإطلاق العنان لهن .
ـ بمكافأتهن على حسن سلوكهن ! بشراء أشياء تلقونها إليهن
كما تلقون بقطعة بسكويت إلى الكلب ؟
قالت متحدية , وعيناها تنضحان ازدراء وغضباً وهي تتابع :
ـ الرجل الذي أحب , ينبغي أن يعاملني معاملة الند للند يا غارد ,
في كل شيء . آخر شيء يريده هو أن أشعر نحوه بالامتنان لأي شيء .
ما سيعطيه الواحد منا للآخر , يعطيه إياه مجاناً .
سكتت فجأة مقطبة جبينها وهي ترى كيف كان غارد ينظر إليها :
ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟
سألته ذلك مترددة . لم تره قط من قبل ينظر إليها بهذا الشكل ,
ويحدق إليها بمثل هذا التركيز العنيف . أجاب بخشونة :
ـ لم يحدث شيء ! ولكن , يوماً ما , يا روزي , سيكون عليك أن
تنضجي وتختبري الألم الذي يرافق مثل هذه المثالية . وعندما يحدث
ذلك أرجو أن يكون بجانبك من يلملم حطامك . . .
تمتمت بتمرد , بصوت منخفض :
ـ على أن لا تكون أنت ذلك الشخص .
* * *
مضت ساعة تقريباً منذ أنزلها غارد في منطقة التسوق في
المدينة , لكنها حتى الآن لم تجد شيئاً يعجبها . أخذت روزي تفكر
في ذلك وهي تقف بجانب متجر صغير , تتفرج على الثوب المعروض
في واجهته , والمصنوع من المخمل الأسود والتافتا . كان قسمه
الأعلى من المخمل الأسود , بينما انحدرت فتحة العنق قليلاً عن
الكتفين , هذا إلى كمين طويلين ضيقين . كان المخمل محكم
التفصيل حول الخصر بينما كانت التنورة التافتا تتسع من فوق الوركين
مباشرة .
القماش النفيس واللون الأسود منحا الثوب مظهراً رصيناً . لكن
التنورة جعلته ثوباً للفتيات لا يلائم امرأة كالمدام الكونتيسة , مثلاً .
دخلت روزي المتجر مملؤة بعزم . قالت البائعة متشككة عندما
سألتها روزي عن الثوب :
ـ إنه قياس صغير جداً . . . ولكن , نعم قد يلائمك !
أضافت الجملة الأخيرة بعد أن خلعت روزي معطفها لتجرب
الثوب . وأخذت تتأمل صورتها في المرآة .
كان سواد المخمل يبرز لون بشرتها العاجي , وخصلات شعرها
التي تلامس كتفيها المكشوفين تُضفي عليهما شيئاً من النحول ما
جعلها تقطب جبينها قليلاً .
قالت البائعة بحماس :
ـ إنه مصنوع لك خصيصاً .
أجابت مترددة :
ـ ولكنه غالي الثمن .!
كان عليها أن تشتري حذاء جديداً يلائم الثوب . وفي النهاية ,
كانت عادة غارد في السخرية من ملابسها وذوقها , هي التي جعلتها
تحزم أمرها بينما البائعة تؤكد لها أنها لن تندم على شرائه وهي تلفه
لها , قائلة :
ـ إنه ثوب كلاسيكي لا يبطل طرازه .
وتابعت روزي طريقها إلى متجر الأحذية الذي سبق ومرت به .
وعندما وافاها غارد , في ما بعد إلى المكان المتفق عليه , كان الشيء
الوحيد الذي قاله :
ـ إذن , فقد وجدت شيئاً يعجبك !
كانت تحمل عدة أكياس أخرى بالإضافة إلى الثوب . . حذاء ,
حقيبة يد صغيرة للسهرة تلائمهما , وشاحاً ناعماً من الكشمير لتلبسه
فوق الثوب , صندوقاً صغيراً مزخرفاً من طراز القرن الرابع عشر
وجدته في حانوت للتحف اشترته هدية لابنة السيد (( ديبوا )) .
في الطريق إلى الحفلة , أخذت تفكر في أنه ربما كان من
الأصوب لو اشترت شيئاً عادياً , لكن هذا الصندوق كان رائع
الجمال .
ـ تباً لي !
قال غارد ذلك فجأة , ما جعل روزي تنظر إلي مستفهمة وتابع
مفسراً :
ـ كنت أريد أن أطلب منك شراء هدية لابنة السيد (( ديبوا )) لكن
الوقت فات الآن و . . .
قالت وهي تلتفت إلى المقعد الخلفي تتناول اللفافة التي سبق
ووضعتها هناك :
ـ لكنني اشتريت لها هدية , فعلاً .
ثم فتحت اللفافة تريه الصندوق المزخرف . عندما لم يقل شيئاً ,
هبط قلبها قليلاً , يبدو أنه لم يعجبه ! تملكها الغضب . لا بأس , فقد
أعجبها هي . . .
ـ أتعلمين يا روزي ؟ إنك تدهشينني أحياناً . تتظاهرين بعدم
اهتمامك بالأشياء القديمة , وتعلنين أن من الإجرام تقريباً الاحتفاظ
بمكان مثل (( مرج الملكة )) منزلاً خاصاً , ومع ذلك تذهبين لتشتري
شيئاً كهذا . . .
ـ إذا لم يكن يعجبك . . .
قالت ذلك بتحد , لكن غارد سارع إلى القول :
ـ كلا , لا أقصد . . . إنه رائع الجمال !
جعلها مديحه غير المتوقع لا تدري ما تقول . رفعت بصرها إليه
فباغتتها نظرته , لكأنه . . كأنه . . وتملكها شعور غريب غير مألوف .
ـ روزي ! . . .
لماذا تشعر الآن بقشعريرة لنطقه باسمها , وهي التي طالما سمعته
يتلفظ به من قبل ؟ لماذا تذكرها طريقة لفظه لها بالماء الرقراق في
النهر ؟ باحتكاك المخمل الناعم بالبشرة ؟ بهمس العاشق لحبيبته . . . ؟
اندفعت تتكلم بسرعة , محاولة التخلص من هذه الأفكار
الخطرة :
ـ حتى إنني تذكرت شراء ورق ملون , يا غارد , وبطاقة . أتعرف
اسمها ؟ كان يجب أن أسأل عنه السيد (( ديبوا )) . أرجو ألا تظننا
متطفلين , فهذه حفلتها وهي لا تعرفنا .
ـ أعتقد أن اسمها (( هلوزا )) . لا أظنها ستكره حضورنا .
قال ذلك وقد ران عليه هدوء مفاجئ .
لم يتكلم بعد ذلك إلا حين وصلا , فقط ليقول إنهما , ما داما لم
يتغديا , ولا بد أنها جائعة , لهذا سيسأل المدام عما إذا كان ممكناً أن
يتناولا الغداء في جناحهما .
ـ آه ! هذا حسن ! أنت جاهزة إذن , سنكون هناك في الوقت
المناسب , ولكن . . .
أحست روزي بالارتباك حين سكت غارد فجأة وراح يتأملها .
أخذت تنظر إليه مترددة من باب غرفة النوم المفتوح .
في المتجر , كانت واثقة من حسن اختيارها للثوب , لكنها الآن ,
فجأة , لم تعد واثقة .
صمت غارد , والطريقة التي ينظر بها إليها . . . استجمعت ثقتها
بنفسها وقالت :
ـ ماذا حدث ؟ إذا لم يكن الثوب مناسباً . . .
هز غارد رأسه وهو يسير إلى حيث سترته فيرتديها :
ـ بل هو ممتاز . . .
بدا صوته متوتراً على غير عادة , أبح قليلاً , فانصرفت بذهنها عن
مظهرها هي إلى حركات عضلاته تحت القميص الأبيض , شاعرة
بجفاف في حلقها .
فجأة أصبحت أحاسيسها مرهفة بشكل غير عادي , ما جعلها تشم
رائحة جسده رغم بعد المسافة بينهما . تسارعت خفقات قلبها . احمر
وجهها , واستدارت بسرعة عائدة إلى غرفتها وهي تقول بصوت عال :
ـ وشاحي ! . . . كدت أنساه في هذا الجو البارد . . .
هل استطاع غارد أن يسمع الارتباك والاضطراب في صوتها كما
سمعته هي ؟ لم تكن تشعر أبداً بالبرد , ولكن أي تفسير آخر يمكن أن
تقدمه لارتجاف جسدها ؟
ـ هل تشعرين بالبرد ؟
سألها هذا وهو يتبعها إلى غرفة نومها , مقطباً جبينه . أجابت
وهي تضم الوشاح حولها بإحكام .
ـ كنت كذلك ولكنني الآن بخير . ظننت . . . ظننتك تريد
الخروج . لا أريد أن نتأخر .
أجاب بجفاف :
ـ كذلك لا نريد أن نصل باكراً . ثم إننا , على كل حال ,
عروسان . . .
عندما أخذت تنظر إليه بحيرة , فسر لها الأمر متجهماً :
ـ استعملي ذكاءك , يا روزي ! نحن عريسان من المفترض أنهما
غارقان في الحب . ولو كان الأمر كذلك حقاً , لما سمحت لك
بالخروج من هنا بسهولة , ولما كنت تقبلين بالخروج !
كان صوته انخفض إلى حد الهمس , مشبهاً التنويم المغناطيسي ,
وأطلق رجفة محمومة أخرى في كيان روزي , بينما تابع يقول :
ـ لو كنا حقاً عريسين مغرمين لكان ثوبك الصغير هذا مُلقى على
الأرض وأنت بين ذراعي .
صرخت وهي ترتجف :
ـ أسكت , يا غارد , أسكت ! نحن لسنا مغرمين ببعضنا البعض .
نحن لسنا . . . ليس الأمر بهذا الشكل . . و . .
قال بجفاء :
ـ لا ! من المؤكد أننا لسنا كذلك . هل أنت واثقة من أنك تريدين
هذا الوشاح ؟ تبدين متوهجة تماماً . . .
قال ذلك وهو يفتح لها الباب . حملقت روزي فيه وهي تهم
بالخروج
إنه يعلم جيداً ما الذي سبب احمرار وجهها بهذا الشكل . تباً له !
عندما أسرعت تهبط السلم , تملكتها رجفة أخرى , أكثر حدة
هذه المرة , مصحوبة بالألم , ما جعلها تعض شفتها بحدة لتكبحها .
خافت من أن تشعر بالاستغراب والضيق بين أناس لا تعرفهم , أو
أن تكون ابنة السيد (( ديبوا )) كارهة دعوة أبيها لهما . مخاوفها تلك
سرعان ما تلاشت , ليس فقط أمام حرارة ترحيب السيد (( ديبوا ))
وزوجته , وإنما من الاستقبال الحماسي الذي تلقياه من (( هلواز ))
نفسها , وسرعان ما رأت روزي نفسها وسط مجموعة من الشابات
والشبان , بينما بقي غارد يتحدث إلى مضيفه ومضيفته .
كانت (( هلواز )) وأصدقاؤها مجوعة ذكية مليئة بالحيوية من شبان
وشابات أخذوا يتحدثون عن آرائهم ومعتقداتهم بصراحة , مازحين مع
روزي قليلاً لما رأوه من استنكارها مفهوم المواطنية الأوروبية . لكنها
سرعان ما اكتشفت أنهم , مثلها , يهتمون كثيراً بأحوال البائسين , ثم
وجدت نفسها مستغرقة في حديث مع أحد أصدقاء (( هلواز )) عن
المشكلة المتفاقمة لمتشردي المدن .
رغم أن هذا الفتى , واسمه (( رينولد )) , لم يكن يشبه , رالف
شكلاً . . . إذ كانت بنيته أكثر صلابة , شعره كثيفاً جعداً بني اللون ,
وكذلك لون عينيه اللتين كانتا تطفحان حرارة وإعجاباً كلما نظر
إليها . . . إلا أنه كان يشارك رالف كثيراً من مثله العليا التي يغلفها
بروح مرحة تنقص رالف .
قال يخاطبها بحماسة وهو يفصلها عن الآخرين ليتمكن من
التحدث إليها على انفراد :
ـ يخيل إلي أن هذه المشكلة عامة في كل البلاد . يبدو لي أننا
جميعاً سنستفيد كثيراً من تبادل الآراء والخبرات , ومشاركة بعضنا
بعضنا ما نتعلمه .
قالت مازحة :
ـ أتعني أن نقيم مؤتمراً ؟
ـ ربما نتدبر شيئاً أقل تمسكاً بالشكليات من المؤتمرات . إنني
أذهب إلى انكلترا أحياناً لإداء بعض الأعمال , وسيهمني أن أزور
الملجأ , إذا كان ممكناً ترتيب هذا الأمر .
أجابت بحماسة :
ـ أنا واثقة من إمكانية ذلك , وأعلم أن رالف سيهتم جداً بالتعرف
إليك .
ـ لكنك تعيشين خارج لندن كما أخبرتني . هـــل هنالك
فندق . . . ؟
قالت بسرعة :
ـ آه , لن يكون ثمة ضرورة لذلك . يمكنك أن تقيم معنا .
فقال برقة :
ـ إنني الآن أتطلع بشوق إلى ذلك .
قالت (( هلواز )) لها مازحة وهي تنضم إليهما بعد ذلك بعشر
دقائق :
ـ لا تنظري إلى رينولد بجد أكثر من اللازم . إنه مغازل
رهيب . . .
قال رينولد محتجاً , دون أن يخجله كلاهما :
ـ أنت غير منصفة , يا (( هلواز )) . أنا جاد تماماً في ذلك .
كان الثلاثة ما زالوا يضحكون عندما جاء غارد لينضم إليهم بعد
عدة دقائق . قال لروزي موضحاً للآخرين :
ـ آسف لأن الوقت حان لذهابنا . علينا أن نستقل الطائرة في
الصباح الباكر .
ـ أهكذا سريعاً ؟!
قالت روزي ذلك باحتجاج , غير قادرة على إخفاء دهشتها حين
أخبرها غارد عن الوقت . وعندما صارا في السيارة متجهين إلى
القصر , قال :
ـ لا حاجة لأن أسألك إن كنت استمتعت بالحفلة .
كان في صوته نبرة لم تفهمها روزي . لم تكن غضباً أو ضيقاً
بالضبط , إنما . . . , شيء ما . . .
ـ يبدو أنكما , أنت والفتى (( رينولد بريسيه )) وجدتما الكثير
لتتحدثا عنه .
منتديات ليلاس
الفتى رينولد . . . ؟ قطبت روزي جبينها . كان رينولد أخبرها ,
في غمرة الحديث , أنه احتفل لتوه بعيد ميلاده الخامس والعشرين ,
وهذا ربما يجعله أصغر سناً من غارد , لكنه طبعاً لا يجعله يستحق
نبرة الاحتقار الغريبة في صوت غارد . قالت بلهجة المدافع :
ـ كان يحدثني عن اشتراكه في مشروع ملجأ مماثل لملجئنا . بدا
عليه الإهتمام البالغ بعملنا . وأنا . . . أنا دعوته لزيارتنا والتعرف إلى
رالف عندما يذهب إلى لندن لقضاء أعماله .
أسرعت بكلامها متجنبة النظر إلى غارد أثناء كلامها .
أما لماذا تملكها شعور بأنها أخطأت بعض الشيء . . وأنها ,
بشكل ما , أغضبت غارد ؟ فهذا ما لم تجد له تفسيراً واضحاً .
قال غارد باستفزاز :
ـ وهل هذا سيكون غرضه الوحيد من زيارته ؟ أن يتعرف إلى
رالف ؟
ارتاحت روزي لجو السيارة المعتم الذي أخفى احمرار وجهها .
فقد تضمن صوت غارد شيئاً من التوتر عزز شكلها السابق . قالت :
ـ طبعاً , أي سبب غير هذا يجعله يحضر ؟
ـ هيا , يا روزي ! حتى أنت لست بهذه السذاجة ! كان واضحاً
تماماً أن (( رينولد بريسيه )) أكثر اهتماماً بتفحص سريرك منه بتفحص
أسرار الملجأ .
قالت محتجة :
ـ هذا ليس صحيحاً , حتى ولو كان ذلك . . .
سكتت فجأة وهي تدرك أن الادعاء الذي كادت تتفوه به , وهو أن
هذا ليس من شؤون غارد , هذا الادعاء لم يعد صحيحاً تماماً . أدركت
أنها نسيت تقريباً علاقتهما الجديدة . سألها بصوت خشن :
ـ حتى ولو كان ذلك , ماذا ؟ أنك غير مهتمة به ؟ ليس هذا ما
لاحظته .
ـ كنا نتحدث , وهذا كل شيء .
قالت ذلك وهي تفكر . . . ما الذي حدث لغارد ؟ كان يبدو تقريباً
وكأنه . . . وكأنه ماذا ؟ كأنه يغار ؟ هذا مستحيل ! ورغم ذلك , فإنها
لم تفعل شيئاً يستحق غضبه . ابتدأت السعادة , التي شعرت بها في
الحفلة , تتبدد . أشاحت بوجهها عن غارد وأخذت تنظر من النافذة
إلى القلعة .
شعرت برجفة خفيفة وهي تتذكر ما كان بيتر قاله لها عندما سألته
كيف سينهيان , هي وغارد , (( زواجهما )) ! , قال لها , آنذاك , محذراً :
ـ سيكون عليكما البقاء معاً سنة على الأقل ! أي مدة أقل من تلك
يمكن أن تثير الشكوك بالإمكان في البداية , اختيار الانفصال وبعد
ذلك تتجهان نحو الطلاق .
سنة على الأقل ! بدل لها ذلك مدة طويلة . . . طويلة جداً . سمعته
يقول متوتراً :
ـ لا فائدة من العبوس والصمت , يا روزي ! إنك تعلمين ما هو
الوضع . . الدور الذي وافقت عليه , واخترت القيام به . إنك عروس
جديدة . و العروس الجديدة لا تتجاهل زوجها لتعبث مع رجل آخر .
قالت بغضب :
ـ إذا كنت تعني رينولد , أنا لم أكن أعبث معه . كنا نتحدث
فقط .
سكتت والتفتت إيه بعينين ملتهبتين . كان يركز اهتمامه على
الطريق , وعيناه مسمرتان أمامه وقد توتر فكه . قالت له برعونة :
ـ ربما لست قادراً على التحدث مع امرأة من دون أن تعبث
معها , يا غارد ! ولكن ليس كل الرجال مثلك , والحمد الله !
قال بخشونة :
ـ هذا صحيح ! أشك في أن عزيزك الغالي رالف , مثلاً , أوه
(( رينولد بريسيه )) , مستعد للمجازفة بسمعته في زواج احتيالي , فقط
لأجل . . .
وعندما سكت ألحت عليه بالقول :
ـ فقط لأجل ماذا ؟ لأنني طلبت منك ذلك ؟ إنك غير منصف , يا
غارد . إننا , نحن الاثنين , نعلم بالضبط لماذا وافقت أنت على هذا
الزواج . إنك تزوجتني لأنك تريد المنزل .
شعرت روزي , وهي تقول هذه الكلمات , بغصة في حلقها حين
اكتسحتها موجة عنيفة من الشعور بالوحشة .
لم تكن تريد زواجاً زائفاً . . زوجاً لا يكن لها حتى نوعاً خاصاً
من المودة , وليس الحب . آخر شيء كانت تريده هو أن تعيش حياة
ملؤها الكذب والخداع . . أن تعيش مع رجل لا يشعر نحوها بسوى
الاحتقار ويسخر منها على الدوام .
كل ما تقوم به هو ضد مبادئها . لا عجب إذن من شعورها بعدم
الرضا عن نفسها , ومع كل هذا التوتر والتعاسة . كانت حمقاء إذ
أصغت إلى بيتر , وظنت أن . . .
ـ وطبعاً , فإن الرجال أمثال رالف ورينولد في هذا العالم هم غاية
في الكمال والتعقل ليفكروا بشيء كهذا . هل هذا ما تظنينه ؟ لا
تخدعي نفسك , يا روزي ! لو أنك ألقيت بأوراق ملكية (( مرج الملكة ))
طعماً أمام رالف , لما فكر مرتين بما يتضمنه مثل هذا الزواج أخلاقياً .
أما بالنسبة إلى رينولد , لا أدري إذا كان فكر في أن يخبرك , أثناء
مثابرته على مغازلتك , أن أسرته وأسرة (( هلواز )) متفقتان منذ سنوات
على أنهما , هو وهي , سيتزوجان في النهاية ؟ إنهما قريبان تربط
بينهما أمور معقدة متعلقة بالأملاك والعمل . . . والزواج بينهما سيحل
كل هذه الأمور بشكل حسن جداً بالنسبة إلى الأسرتين . وإن كان هذا
لا يمنعه من أن يغازلك .
ـ أسكت ! . . . أسكت .
أخذت روزي تصيح به وهي ترتجف , رافعة يديها تغطي بها
أذنيها وهي تسأله بعنف :
ـ لماذا تنتقدني دوماً وتسخر مني ؟ لماذا تفسد كل شيء بالنسبة
إلي ؟ إنني لست حمقاء على الإطلاق يا غارد , مهما كان ظنك بي !
وإذا كنت أختار وأفضل أن أرى محاسن الناس , فهذا لا يعني أنني
قليلة الحذر .
وعندما أخذت تغالب دموع الغضب التي أوشكت على الانهيار ,
أشاحت بوجهها عنه وهي تقول بصوت منخفض متألم :
ـ لا بأس ! ربما كان رالف سيوافق على الزواج مني لو أنني
قدمت إليه (( مرج الملكة )) . لكنه , على الأقل , ما كان ليأخذ البيت
لنفسه , وإنما . . .
قاطعها غارد بخشونة :
ـ لكان دمره تماماً مثل إدوارد ! إكبــري , يا روزي ! هـــــل تصدقين
حقـــــاً أن رالف كان سيهتم مثقال ذرة بالمنزل وتاريخه ؟ وأنه ما كان
ليسحب أخشاب الجدران , ببالغ الســــرور , ليغطي بها السلم إذا وجد
ذلك ضرورياً لمؤسسته الخيرية ؟ هل تعلمين ماذا كان سيحصل (( لمرج
الملكة )) في مثل تلك الظروف ؟ إذا كنت تظنين أن أي شيء . . أي
شيء , على الإطلاق , من المنزل الأساسي كان سيبقى مألوفاُ لأبيك
أو جدك في الوقت الذي ينتهي فيه رالف وجماعته منه , أنت إذن
حمقاء .
قالت غاضبة :
ـ إنك لم تحب رالف قط , أليس كذلك ؟ كنت دائم السخرية
منه . حسناً , لا تظنني لا أعلم السبب , يا غارد . . .
سكتت روزي فجأة وهي تلتفت إليه لترى تأثير كلامها هذا عليه .
لم يبد عليه ما توقعت . لا الغضب البالغ ولا السخرية . . .
كان فكه متوتراً وكأنه يحاول السيطرة على نفسه. رأت النظرة
التي بدت في عينيه وهو يلتفت إليها . تملكتها رجفة لا إرادية وهي
تسمعه يقول بنعومة :
ـ استمري , يا روزي . . .
آه , كم تمنت لو أنها لم تبدأ هذا الحديث قط ! لكن فات أوان
التراجع الآن ! . . قالت تتحداه بشجاعة :
ـ إنك تكره الحقيقة أنه ليس مثلك , إنه لا يهتم بالمال أو المادة ,
لأنه . . .
أجفلت حين أخذ غارد يضحك , وتملكها الاضطراب لردة فعله
غير المتوقعة هذه التي نبهتها وحذرتها أكثر مما لو كان ثار غاضباً
منها مستنكراً مزاعمها . قال معنفاً :
ـ رالف لا يهتم بالمال ؟ لماذا إذن يزعجني على الدوام بطلب
التبرعات للملجأ الغالي ؟
ـ هذا أمر مختلف . إنه لا يريد المال لنفسه . إنه . . .
ـ لا ؟ هل هذا ما تظنينه حقاً يا روزي ؟ لا بأس . أنا أوافقك على
أنه لا يطلب المال لينفقه على نفسه , وعلى شراء أملاك لنفسه , لكنه
حتماً يريد المجد الذي يعرف جيداً أنه سيحصل عليه بتحويله ذلك
المكان الحقير المثير للشفقة إلى مبنى أفخم وأكبر حجماً وأهمية .
عضت روزي شفتها وحولت نظراتها عنه . رغم ما في كلام
غارد من قسوة , إلا أنه كان يحتوي على بذرة من الحقيقة هي أكثر
نزاهة وصدقاً من أن تنكرها .
شعرت بالارتياح وهي تدرك أنهما وصلا إلى مدخل القصر .
ولعل المدام تنتظرهما في الردهة , أو بالأحرى تنتظر غارد .
ـ ماذا . . ؟ لا شيء تقولينه عن نفسك , أو تدافعين به عن عزيزك
رالف ! ولا أدري سبب ذلك.
قال غارد ذلك ساخراً وهو يوقف السيارة أمام القصر . لكنها لم
تهتم بأن تجيبه . وما الفائدة , على كل حال ؟
أخذت روزي تخلع ثوبها , متعبة . لم تكن المدام في انتظارهما ,
ولكن عندما وصلا إلى جناحهما , أعلن غارد أن لديه عملاً عليه
إنجازه . ثم جلس خلف المكتب متجاهلاً إياها كلياً وهذا بالضبط ما
تريده هي . أما لماذا جعلها هذا متضايقة سيئة المزاج , فلم يكن لديها
أي تفسير . لا يمكن أن يكون السبب هو خسارتها نقاشاً معه , حتى
ولا شعورها بالغم من عبء هذا الدور غير المألوف ولا المرغوب
فيه .
قطبت جبينها عندما تعطل سحاب ثوبها . تملكها الضيق
وحاولت إصلاحه .
منتديات ليلاس
بعد عشر دقائق , وبعد أن آلمتها ذراعاها فيما لا يزال السحاب
معطلاً , اعترفت بالهزيمة , مدركة أن ليس أمامها سوى خيارين . . إما
أن تنام بثوبها هذا , وإما أن تلتمس المساعدة من غارد .
سارعت على كره منها إلى باب غرفتها تفتحه ثم تقف في العتبة
تنظر إلى غارد مترددة , بينما هو منكب على عمله . كان ظهره
نحوها . بدا منكباً على عمله بحيث ترددت روزي في مقاطعته . . .
ربما إذا هي حاولت مع السحاب مرة أخرى . . .
ـ نعم , يا روزي ! ماذا تريدين ؟
قفزت نظرات روزي المجفلة لتقابل نظرات غارد الذي وضع
القلم واستدار نحوها .
ـ إن السحاب في ثوبي معطل و . . .
ـ الأفضل أن تأتي إلى هنا وتقفي في الضوء لأتمكن من روية ما
أقوم به بشكل صحيح .
قال ذلك مشيراً إلى وسط الغرفة .
ـ ربما أنت تكبرين رغم كل شيء .
قال ذلك بجفاء وهو يمسك بكتفيها ليتمكن من فحص ظهر
ثوبها .
سألته متصلبة :
ـ ماذا تعني ؟ .
حاولت أن تستدير , شاعرة بأنه أخذ يسخر منها مجدداً , لكن
غارد كان يمسك كتفيها بشدة منعتها من الحركة .
تملكها شعور غريب لإحساسها بأنامله على بشرتها , ولرؤيتها
صورتهما معاً في المرآة التي تعلو المدفأة . صورتهما معاً في وضع
حميم كان يمكن أن يكون لعاشقين . .
أحست بقشعريرة خفيفة , وتنبهت إلى أنها ترى غارد , ليس كما
تراه دائماً , وإنما بصفته رجلاً ! . . ماذا لو كان غارد هو الذي تعرفت
إليه في الحفلة هذه الليلة , مثلاً , وهو الذي مدحها وغازلها ؟ . .
خفضت نظراتها إلى الأرض , شاعرة بشيء من الخجل لاتجاه
أفكارها على هذا النحو . سألها برقة :
ـ متى حدث هذا , يا روزي ؟ متى أصبح إصلاح ثوب أهم لديك
من عدائك نحوي ؟
قالت كاذبة :
ـ لا أدري ماذا تعني ! .
هل هو دليل نضج لديها أن تفضل طلب العون من غارد على
تمزيق ثوبها ؟ إذا كان الأمر كذلك , فقد بدأت تتمنى لو أن قرارها كان
أقل نضجاً .
إنها تشعر الآن بالتوتر يزحف على امتداد جسمها فيما غارد
يتفحص السحاب , مزيحاً شعرها من طريقه .
كانت قرأت في الروايات عن أنفاس الحبيب , لكنها كانت تسخر
من ذلك معتبرة إياه مبالغة كبرى . أما الآن . . . ابتلعت ريقها
بصعوبة , مكورة أصابعها بشكل قبضتين صغيرتين مرتجفتين بينما
تلفح حرارة أنفاس غارد ظهرها . قال بغيظ :
ـ اهدئي , يا روزي !
قوله هذا جعلها تدرك ما كانت تفعل . كانت لا إرادياً تميل
بظهرها إلى الخلف لتلتصق به وكأنها . . .
قالت محاولة الإبتعاد عنه :
ـ آه , دعه , يا غارد !
تملكها الذعر إذ انتبهت إلى أن هناك شيئاً مريباً جعل المشاعر
تشتبك في كيانها .
ـ اهدأي ! يمكنني أن أرى المشكلة الآن . هناك قطعة صغيرة من
القطن مشتبكة بالسحاب . أظنني سأتمكن من نزعها .
ـ أين ؟ دعني أراها . . . ربما يمكنني نزعها بنفسي .
قالت روزي ذلك محاولة الابتعاد عن غارد والاستدارة , في
الوقت نفسه , لتنظر من فوق كتفها . ولكن عندما تقدمت إلى الأمام ,
كان غارد تمكن من إطلاق السحاب , تاركاً المخمل اللين الناعم
ينزلق عن كتفيها والقسم الأعلى من جسمها .
تمسكت روزي بذعر , بالمخمل , متسمرة مكانها من المفاجأة
وقد التهب وجهها بينما أخذ غارد يتفحصها بنظره .
ـ كفى , يا غارد , كفى ! لا تحق إلي بهذا الشكل !
انفجرت تقول بصوت يماثل جسدها ارتجافاً . أرادت أن تستدير
هاربة , لكنها , لسبب ما , لم تستطع أن تتحرك . بقيت جامدة في
مكانها بينما نظرات غارد تتجول فوقها . قال برقة :
ـ بأي شكل ؟ إنني , على كل حال , زوجك يا روزي . في
الحقيقة . . .
عندما تقدم خطوة نحوها , حملقت فيه بعينين واسعتين ذاهلتين
وهي ترتجف , غير قادرة على سلخ نظراتها عنه . تابع يقول برقة :
ـ وفي الحقيقة , هل لديك فكرة عما تفعلينه بي في هذه اللحظة ,
وأنا أراك بهذا الشكل ؟ لو أنك تعمدت هذا العمل , لما تمكنت من
اختيار وضع أكثر إثارة , هل تعلمين ذلك ؟ لو كنت حقاً زوجك , يا
روزي , ما وقفت هكذا أتحدث إليك !
عندما سمعها تصدر شهقات صغيرة متتابعة , قال معنفاً :
ـ ماذا حدث ؟ من المؤكد أنك لست بريئة ساذجة إلى هذا
الحد . . .
ـ لا! . . . لا ! . . .
صرخت روزي باحتجاج وهي تستدير هاربة إلى غرفتها ثم تصفق
الباب خلفها وتستند إليه , بينما جسدها يرتجف كمن به حمى ,
وقلبها يخفق بعنف أشعرها بالغثيان . دموع العذاب التي انهمرت على
وجنتيها من بين أجفانها المغمضة لم يكن لها علاقة بالحرج البالغ ,
أو الغضب من غارد لما فعل .
منذ لحظة واحدة فقط , كانت تستمع مسحورة إلى رقة صوته !
الصدمة , الشعور بالحرج , بالذنب , بالخوف . . . كل ذلك
شكل لها نوبة من الذعر والألم الغامض .
ابتعدت روزي عن الباب ببطء وهي ترتجف من رأسها إلى
أخمص قديمها , شاحبة الوجه من تأثير الصدمة .
ما الذي يحدث لها ؟ ما الذي حدث لها ؟
اغتسلت بسرعة ثم خرجت من الحمام واستعدت للنوم , رافضة
النظر إلى صورتها في المرآة .
توهج وجهها احمراراً , لا بد أن شيئاً غير عادي حدث لها إذ
تتصور غارد يغازلها برقة وهي تستجيب له ! .
إنه فقط خداع مخيلتها , كما أخذت تطمئن نفسها , وغداً ستتغير
مشاعرها وتعود إلى حالتها الطبيعية .

نهاية الفصل السادس

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:10 am

7 ـ بين عدوها وزوجها



ـ ماذا حدث يا روزي ؟ لا أظنك ما زلت مستاءة لأنني أفسدت
عليك الغزل مع رينولد , أليس كذلك ؟
سألها غارد هذا بجفاء . التفتت روزي إليه بحذر , وهي تمد يدها
إلى حزام الأمان عندما أعلن المضيف في الطائرة أنهم على وشك
الهبوط .
هــــــل نسي غارد , حـقـــــاً , مــــــا حـــــدث تلك الليلة ؟ مـــا قـاله لها ,
والطريقة التي نظر بها إليها ؟ كان مقطباً جبينه قليلاً وهو يربط حزامه ,
وشيء من نفاذ الصبر يوتر فمه .
هذا الصباح , بدا غارد مختلفاً تماماً . من المستحيل أن يكون هو
نفسه ذاك الرجل الذي نبهها إلى ذاته , وإلى نفسها بشكل مثير .
أتراها بالغت فــــي ردة فعــلـها إزاء ما حدث ؟ هل ضخمت الأمور
أكثر مما هي عليه ؟ وهل كان ضرورياً بقاؤها مستيقظة معظم الليل ,
خائفة من مواجهة غارد في الصباح , ومما قد يقوله ؟
وعندمــــا لم يـشـــــر في الصــــباح إلى مــا حدث , شعرت بما يشبه
الخيبة . ليس هذا فقط , وإنما عاد يعاملها وكأنها طفلة مزعجة أكثر
منها . . .
أكثر منها ماذا ؟ امرأة ؟ تملكها انقباض مؤلم في صدرها , وسرت
في وجهها وجسمها حرارة أشعرتها بالضيف .
عندما استقرت الطائرة على المروج , قال غارد لها :
ـ هيا , يا روزي ! ليس علينا أن نرجع بمظهر يدل على أننا
متخاصمين .
أجابته بتكلف :
ـ أنا لست مستاءة , أنا . . . متعبة فقط هذا كل شيء .
ـ متعبة . . . بعد رحلة عمل دامت يومين ؟ هذا غريب !
قال غارد ذلك ساخراً , متجاهلاً احمرار وجهها خجلاً , ثم تابع ,
ـ سأوصلك إلى (( مرج الملكة )) وبعد ذلك علي أن أذهب إلى
مكتبي لمراجعة بعض الأمور , ثم إلى شقتي . هل طلبت من السيدة
فرينتون أن تهيئ لنا غرفة .
هـــــــزت روزي رأسها . هي تعلم أنها تتصرف كالنعامة . لكنه حتى
الآن لم تستطع أن تحمل نفسها على مواجهة النواحي العملية التي
يفرضها الزواج .
ليلة زفافهما , كانت رقدت في الغرفة التي تحتلها منذ طفولتها ,
بينما رقد غارد في واحدة من غرف الضيوف . لكنها تعلم الآن أن لا
سبيل للحفاظ على مظهر زواجهما إذا استمرا في النوم في غرفتين
يفصل بينهما ممر طوله نصف ميل تقريباً .
ـ أنا . . . فكرت في أن هناك غرفتين للضيوف يصل بينهما باب
داخلي ؛ فإذا نظمت الفراش بنفسي , عند ذلك لا يمكن للسيدة
فرينتون أن . . .
فقاطعها :
ـ لا يمكن للسيدة فرينتون ماذا ؟ لا يمكنها أن تعلم أننا نرقد في
غرفتين منفصلتين ؟ هذا رائع يا روزي ما دامت لا تعلم . أما إذا انتشر
الخبر بأننا نرقد في غرفتين منفصلتين , فيمكنك أن تثقي بأن محامي
إدوارد سرعان ما يطرق بابنا . . .
ارتبكت روزي , فسألها :
ـ ألا توجد غرفة نوم بسريرين ؟
ـ هناك غرفة المخزن , وسيبدو الأمر غريباً شاذاً إذا رقدنا
فيها .
قال بلهجة مطاطة :
ـ هذا صحيح .
وفي طريقهما إلى البيت , قال ساخراً :
ـ ابتهجي ! . إنها سنة واحدة فقط . ثم , من يدري ؟ ربما
سيعجبك ذلك في النهاية .
قالت باستنكار وتحد :
ـ أبداً .!
لكنها , على الفور , تذكرت ما شعرت به الليلة الماضية , فاحمر
وجهها .
ألقى عليها نظرة جانبية وهو يقول محذراً :
ـ حذار , يا روزي ! فقد يعتبر الرجل هذا الكلام تحدياً ويحاول
أن يثبت لك أن . . .
وفيما كانت روزي تشعر بالتشنج , رافضة كلام غارد , انعطف
بالسيارة صاعداً في طريق البيت , وإذا به يقطع كلامه فجأة ليسألها :
ـ أليست تلك سيارة إدوارد ؟
أجابت بفتور : (( بلى ! )) .
ـ . . . أتساءل ما الذي يفعله هنا . أتظنينه يقيم لنا حفلة ترحيب
بالعودة إلى البيت ؟ يا له من إنسان حساس يهتم بالآخرين !
قالت متجهمة الوجه :
ـ ما كان إدوارد يوماً حساساً . كانت له دوماً دوافعه الخفية .
ـ . . . وليس هناك مكافآت لمن يتكهن بها هذه المرة , أليس
كذلك ؟
عندما نظرت روزي إليه مستفهمة , قال مفسراً :
ـ المنزل , يا روزي , المنزل ! .
ـ لكن فات أوان ذلك , هو يعلم الآن أننا متزوجان .
أخذت تتساءل بقلق عما يفعله إدوارد في البيت . إنه يعلم مقدار
كراهيتها له وعدم رغبتها في وجوده .
نبهها غارد وهو يفتح الباب الثقيل :
ـ ابتسمي يا روزي , ابتسمي !
منتديات ليلاس
عندما أمسك لها الباب لتمر , كان عليها أن تحتك به في
مرورها , فبدا وكأنه يلفها بذراعيه وعندما التفتت إليه لتقول إن آخر
شيء تفكر فيه هو الابتسام , نظر إليها متمتماً :
ـ وضعك هذا جيد جداً , وإذا ازددت اقتراباً مني وفتحت فمك
قليلاً ربما يظن الناظر أنك تريدينني أن أقبلك . . .
أن يقبلها ! بدا السخط في عيني روزي . وقبل أن تقول شيئاً ,
أسرعت السيدة فرينتون إلى الردهة , تستقبلها بقلق بادٍ على وجهها :
ـ آه , يا روزي ! . . أعني يا سيدتي . . .
ـ يمكنك مخاطبتي باسمي , يا سيدة فرينتون , يبدو عليك
الاستياء ! مـاذا حدث ؟
قبل أن تجيب المرأة , سمعت روزي شخصاً يهبط السلم ,
وعندما رفعت بصرها رأت أنه إدوارد يبتسم لها ابتسامة التسامح
الزائفة .
ـ آه , روزي . . . وغارد !
هتف بذلك , ثم تبددت ابتسامته وهو يهز رأسه باكتئاب :
ـ آسف للخبر السيئ ! اكتشفنا الأسبوع الماضي أن العيب الذي
كان ظهر في بناء بيتنا وكنا نظنه بسيطاً , وهو في الواقع خطر جداً .
لذلك لم نجد أمامنا سوى الانتقال إلى هنا أثناء قيام العمال
والمهندسين بعملهم . وقد تملك مرغريت القلق بشأن انتقالنا إلى هنا
من دون إعلامكم بذلك . لكنني وبختها على هذا العناء , وإلا ما فائدة
القرابة إذا لم يساعد الأقرباء بعضهم بعضاً عند الحاجة ؟ وإلى أين
نذهب ؟ كان من المستحيل علينا الانتقال إلى فندق بكل أوراقي
السرية , كما أن الضجيج سيصيب مرغريت بالصداع الرهيب الذي
يعادوها في مثل هذا الحال . ثم عندما تبدأ العطلة الدراسية ويعود
الولدان . . . قلت على الفور إن علينا الانتقال إلى هنا . ما زالت
مرغريت في البيت تشرف عل نقل آخر الأمتعة . لكنها سرعان ما
تصل . لقد سمحت لنفسي بإعطاء السيدة فرينتون الأمر بتجهيز جناح
الجد لنا . علينا طبعاً أن نحضر سريرين من غرفة المخزن . إننا نفضل
هذا النوع من الأسرة هذه الأيام , لأن مرغريت لا تستطيع النوم
جيداً . . .
ساد صمت مطبق أخذت روزي أثناءه تحدق في إدوارد , غير
مصدقة ما سمعت .
ـ أنا مدرك طبعاً أنكما عريسان , لكنني أتعهد لكما بأنكما لن
تشعرا بوجودنا هنا , كما ستجدين في مرغريت عوناً لك في شؤون
البيت , يا عزيزتي روزي . إنها معتادة على إدارة البيوت الواسعة ,
وتنظيم الحفلات , وسائر الأمور المشابهة .
جذبت روزي نفساً متقطعاً , وفتحت فمها ثم عادت فأقفلته , غير
واثقة مما عليها أن تقول . بدلاً من الكلام نظرت إلى غارد متوسلة .
الحمد الله أنه معها ههنا . إنه يعرف كيف يتعامل مع إدوارد وكيف
يحمله على مغادرة المنزل . لكنها ذهلت وهي تراه , بدلاً من أن يأمر
إدوارد بالمغادرة على الفور , يقول له بلهجة عادية :
ـ جناح جد روزي ! أظن أنه الجناح الرئيسي في المنزل !
فقال إدوارد بلطف :
ـ نعم , هذا صحيح !
ثم أضاف بهجة اهتمام بدت لها زائفة :
ـ آه , عرفت من السيدة فرينتون أنكما , أنت و روزي , لا
تستعملانه . يبدو أنها , في الواقع لا تعلم أين ستنامان . . .
أخذ ينقل نظرات الثعلب بينها وبين غارد , ثم عاد يقول :
ـ وطبعاً , الحمام الملحق بالجناح الرئيسي . . .
ـ ولهذا السبب , مع الأسف , عليك أن تختار غرفة أخرى .
هكذا قاطعه غارد بهدوء بينما اتسعت عينا روزي ذاهلة غير
مصدقة . ما الذي يقوله غارد ؟ لماذا لم يخبر إدوارد بأن عليه المغادرة
فوراً ؟
أجفلت حين مد غارد ذراعه حولها , وجذبها إليه . تصلب جسدها
رافضاً بغضب وهي تحملق فيه , بينما يتابع :
ـ كنا , أنا و روزي , نتحدث لتونا أثناء رحلة العودة عن تجديد
ذلك القسم من المنزل . إنني , في الواقع , أنوي الاتصال بالمهندس
غداً . لأكون صادقاً معك , يا إدوارد , أعتقد أنك ستجد غرف الطابق
العلوي أكثر ملاءمة . . . خصوصاً , مع قدوم العطلة المدرسية
وحضور الأولاد . وطبعاً , لأننا عريسان جديدان نرغب في العزلة ,
كما قلت بنفسك .
ثم التفت إلى روزي قائلاً برقة :
ـ أليس كذلك , يا حبيبتي ؟
لم ينتظر جواباً منها , لحسن الحظ , وكذلك إدوارد . قال إدوارد
بحذر :
ـ أفهم من كلامك عن الطابق العلوي أنك تعني غرفتي النوم في
طابق الأمتعة القديمة , طابق الخدم . . .
ـ هذا صحيح ! والآن , نرجو المعذرة , يا إدوارد , لأن علينا القيام
ببعض الأمور . وبما أنك لست ضيفاً ههنا , فإنك لا تتوقع منا البقاء
معك احتفاءً بك , آه , كما أظنك لن تستطيع استدعاء السيدة فرينتون
لمساعدتكم . آسف لأنني أتصرف بشكل تدعوه روزي تزمتً تقليدياً !
يا إدوارد . . . أنا أعلم أنك لن تتأثر بما سأقول ؛ و حيث أننا سنعيش
تحت سقف وأحد , أعرف أنك ستتفهم رغبتي في عدم دخولك أنت
أو أسرتك إلى المكتبة و المكتب بما أنني عريس , أحب أن أمضي
كل ما أستطيعه من وقت مع عروسي , وهذا يعني أنني سأعمل , قدر
الإمكان , في المنزل .
ثم أضاف مبتسماً في وجه روزي الساخط :
ـ ليس عليك أن تقلقي من هذه الناحية , يا حبيبتي , سأقوم بكل
الترتيبات مع الفنيين بخصوص الفاكس والكومبيوتر وغير ذلك .
آه . . . هذه أنت سيدة فرينتون ؟ أنا و روزي قادمان من رحلة متعبة .
هلا أحضرتِ لنا غداء خفيفاً إلى غرفة الجلوس الشتوية ! لن أدعوك
للغداء معنا , يا إدوارد , لأنني أعلم كم أنت مشغول . . . آسف
لحظك السيء ! أعني بالنسبة إل تصدع بيتك .
أضف غارد ذلك بينما أخذ إدوارد ينظر إليه بحذر .
كان ضغط أصابع غارد المؤلم تقريباً على ذراع روزي هو الذي
منعها من أن تنفجر غاضبة قبل أن يصلا إلى الصالة الشتوية الصغيرة
المبطنة جدرانها بالخشب . ولكن عندما أصبحا هناك , انغلق الباب
خلفهما بأمان , نفضت نفسها بعيداً وسألته بغضب والدموع تنفر
من عينيها :
ـ لماذا لم تطلب من إدوارد مغادرة البيت ؟ لماذا تركته يظن أن
لا بأس في بقائه هنا ؟ إنك تعلم أنه لن يستطيع البقاء . لا أريده هنا! لا
أصدق أنه لا يملك مكاناً آخر يذهب إليه . إنه يفعل هذا فقط
لأجل . . . لأجل . . .
قال غارد متجهماً :
ـ استمري . لأجل ماذا ؟
اندفعت تقول غاضبة :
ـ لأنه يريد أن يتجسس علينا , لأنه . . .
قال غارد عابساً :
ـ لأنه يرتاب فينا !
حولت عينيها إلى ناحية أخرى . لقد بدأت تدرك معنى وجود
إدوارد في هذا البيت والغرض منه . ظنت في البداية أنه انتقل إلى هنا
ليغيظهما فقط . لكن غارد جعلها تعلم أن إدوار ذو غرض أشـــــد لؤماً
وخطورة . وهذه الخطورة جعلت الدم يهرب من وجهها مخلفاً شحـوباً
بالغاً وتوتراً .
ـ تقول إنه يرتاب في أننا لسنا . . . أن زواجنا . . . ولكنها مجرد
تكهنات منه .
قالت ذلك وهي تذرع أرض الغرفة متوترة الأعصاب , ثم اقتربت
من غارد تنظر إليه متوسلة كأنها تطلب الموافقة على كلامها .
أجاب مسلماً بقولها :
ـ في هذه المرحلة , نعم . إنما لا تقللي من شأنه يا روزي . إنه
رجل خطر للغاية .
ـ إذا كنت تظن ذلك حقاً , لماذا إذن تركته يبقى هنا ؟ كان عليك
أن تطلب منه المغادرة .
ـ وأجازف بتقوية شكوكه ؟ لا . . . لا أستطيع القيام بذلك . كنت
أنذرتك أن شيئاً كهذا ربما يحدث , وذلك منذ البداية .
ـ لا , أنت لم تخبرني . إنك لم تقل شيئاً عن انتقال إدوارد
للسكن معنا , أو . . .
ـ ليس بالضبط . لكنني أشرت لك إلى المجازفة التي نحن
مقدمان عليها . وكذلك حذرتك من أنني لن اسمح أبداً بتعريض
سمعتي , الشخصية والعملية , للخطر بهذا الزواج . لا تخدعي
نفسك , يا روزي , لن يكون المنزل وحده ما سنواجه خسارته لو أن
إدوارد استطاع رفع دعوى ضدنا . . . الناس يواجهون أحكاماً بالسجن
لأمور أقل من هذه .
وسكت وهو يهز رأسه . شحب وجه روزي ذهولاً , وهمست :
ـ السجن ! . . لا ! . . لا! . . إنك تحاول إخافتي فقط .
توترت روزي وقطب غارد جبينه عندما سمعا طرقاً على الباب .
دخلت السيدة فرينتون حاملة صينية واسعة , فهدأت روزي
قليلاً . . لكن توترها سرعان ما عاد إليها نظرت مديرة المنزل
إليهما بقلق , ثم انفجرت تقول :
ـ لا أريد أن أقول شيئاً ليس من شأني , لكنني اشتغلت عند جدك
مدة طويلة . . . وقد بدأ السيد إدوارد يلقي علي كثيراً من الأسئلة .
سألها غارد بهدوء :
ـ أي نوع من الأسئلة , يا سيدة فرينتون ؟
أخذت روزي تتسائل : كيف يستطيع الاحتفاظ بهدوئه في مثل
هذه الحال ؟ ألم يخبرها لتوه أن الوضع دقيق وخطر ؟ ! . . . السجن ! . .
هذا مستحيل ! . . .
ـ حسناً , أراد أن يعلم أي غرفة ستستعملانها أنت و روزي .
مثلاً , قال إنه لا يريد أن يزعج أي شخص بأخذ الغرفة التي يريد .
وقال إنه لاحظ أن أشياء روزي ما زالت في غرفتها . . .
شهقت روزي ثائرة . كيف تجرأ إدوارد على دخول غرفتها ؟ لو
كان جدها ما زال حياً , لما سمح مطلقاً . . .
منتديات ليلاس
لو كان جدها ما زال حياً لما حدث أي من هذه الأمور , ولما
كانت احتاجت إلى الزواج من غارد . لما شعرت بحاجة إلى الكذب
والخداع . شعرت بالدموع الحارة تتجمع في مآقيها .
ـ قلت له إنني لا أعرف أية غرفة ستستعملان , لكنه ظل يلح علي
بالأسئلة . سألني عن الغرفة التي بتما فيها بعد الزفاف . . .
واحمر وجه السيدة فرينتون خجلاً و هي تنظر إليهما .
قال غارد يطمئنها بسرعة :
ـ لا بأس , يا سيدة فرينتون . كنا , في الحقيقة , سنتباحث معك
في أمر غرفة النوم , لأنني واثق من حسن تفهمك . هناك غرفة معينة
لا تريد روزي استعمالها , وذلك لأسباب عاطفية . غرفة أبيها , مثلاً ,
وكذلك غرفة جدها . وقد سبق وأخبرتها بأنني لا أستطيع مشاركتها
غرفتها الحالية .
قال غارد ذلك بلطف , جاعلاً روزي تنظر إليه ساخطة . ذلك
أنهما لم يتحدثا في مثل هذه الأشياء . وإذا كان يظن أنه يتظارف . .
فمن الواضح أن مديرة المنزل تعلم أن ليس بإمكانهما استعمال تلك
الغرفة , خصوصاً أن ليس فيها سوى سرير فردي .
ـ كنا فكرنا في القيام بجولة في أنحاء البيت لنختار غرفتنا رغم
أنني أعتقد أن أية غرفة نختارها ستكون مؤقتة , إذ أن أغلب الغرف
ينبغي تحديثها . أنا شخصياً أفضل الحمامات الواسعة , وذلك لأسباب
مختلفة .
أضاف غار ذلك بمكر ناظراً إلى روزي , ما جعلهما , هي
ومديرة المنزل , تحمران خجلاً . وتابع يقول :
ـ لكن روزي تصر على شراء أحدث طرازاً , وأعترف أنني
سأفتقد الدوش القوي الذي في شقتي . . .
انتظرت روزي حتى خرجت مديرة المنزل , ثم هزت رأسها
غاضبة عندما سألها غارد عما إذا كانت تريد أن تأكل شيئاً , متسائلة
كيف يمكنه أن يأكل الفطائر بمثل هذا الهدوء وكأن شيئاً لم يحدث .
انفجرت تقول :
ـ إنك تعلم أننا سبق وقررنا أي غرفة سنستعمل . . .
قاطعها قائلاً وهو يضع صحنه جانباً ثم ينتصب واقفاً :
ـ هذا في الماضي . أما الآن , فقد تغيرت الأمور يا روزي , ولهذا
عليك أن تنامي في غرفتي طوال مدة وجود إدوارد وأسرته ههنا .
ـ في غرفتك ؟ وأين ستنام أنت ؟
كانت قد تكهنت بالجواب مسبقاً , والنظرة التي رمقها بها أكدت
أسوأ شكوكها . قالت بسرعة :
ـ آه , كلا . لا , لا . . ليس ذلك ! لن أشاركك غرفتك . . يا غارد ,
وأنام في نفس . . . لا , لا أستطيع !
قال متجهماً :
ـ ليس دينا خيار آخر . إما أن تشاركيني الغرفة و الفراش , يا
روزي , وإما تشاركي شخصاً آخر في أحد سجون المملكة المتحدة .
قالت مستنكرة :
ـ لا , لا ! إنك تحاول إخافتي فقط .
ـ ماذا ؟ أتظنينني حقاً متلهفاً إلى أي امرأة فألجأ إلى إخافتك كي
تنامي معي ! اكبري , يا روزي ! ليس هذا الأمر ما يقلقني حالياً , وإنما
جريمة الإحتيال .
قال غارد ذلك ساخراً , بينما أخذت تعض شفتها قلقة . ثم سألته
بهدوء :
ـ هل تعني هذا حقاً ؟ هل تظن حقاً أن إدوارد يرتاب في أمرنا .
صدرت عنها رجفة خفيفة وبدا الخوف في عينيها , وهي تتابع :
ـ إننا لن نذهب حقاً إلى السجن , يا غارد , أليس كذلك ؟ أعني ,
ليس الأمر وكأننا . . .
ـ وكأننا ماذا ؟ وكأننا ارتكبنا ذنباً في تآمرنا معاً لحرمان إدوارد
من إرثه ؟ أشك في أن المحكمة ستتساهل في أمر كهذا . هذا طبعاً إذا
اخترت أن تتجاهلي نصيحتي و تجازفي . . .
ـ لا !
سارعت روزي تنفي ذلك . كانت قد بدأت حقاً تشعر بالخوف .
قال :
ـ إنني لست أسعد منك بهذا الوضع . وافقت أن أتزوجك , يا
روزي , لا لأنام معك . وصدقيني إذا كان هناك طريقة أحمل بها
إدوارد على مغادرة البيت دون أن أزيد من شكوكه , لما تأخرت
باستعمالها .
لم يكن غارد يريد أن ينام معها , أن يشاركها سريره ! قطبت
روزي حاجبيها مشككة في كلامه .
وهذه المشاعر الضبابية الغريبة التي تملكتها , هل هي خيبة أمل
وجرح في الكرامة لهذا الرفض ؟ لا , بكل تأكيد !
* * *
ـ وهكذا . . يبدو أن هذه الغرفة هي الأكثر ملاءمة . إلا إذا كنت
تفضلين واحدة من الأخريات !
هزت روزي رأسها بصمت . لقد أمضيا لتوهما ساعة كاملة
يتفحصان الغرف !
كانت روزي توقفت لحظة قصيرة أمام الغرفتين المتصلتين اللتين
سبق وتحدثت عنهما , لكن غارد أمسك بذراعها يجرها بعيداً , وهو
يتمتم متجهماً :
ـ اعتبري نفسك محظوظة لتمكني من دفع إدوارد بعيداً عن
طابقنا , وإلا كنا رأيناه في الغرفة التالية متلصصاُ علينا , مسجلاً بلهفة
كل صوت . . .
عندما رأى تغير ملامحها , عبس ساخراً :
ـ أتجدين هذا كلاماً منفراً ؟ حسناً , صدقيني أنه لا شيء يذكر
بالنسبة لما قد تسمعينه في المحكمة . . .
كانا الآن يقفان في غرفة واسعة في الطرف المقابل من البيت ,
من الغرف التي كانوا , هي وأبوها و جدها , يحتلونها . وقفت روزي
صامتة تتأمل السرير الضخم ذا الأربعة أعمدة .
منتديات ليلاس
هذه الغرفة , بسريرها الواسع المريح , وخشبها الدافئ الذي
يبطن الجدران , و مدفأتها , حتى الأريكة العميقة تحت النافذة . . .
هذه الغرفة ربما كانت في وقت ما ملجأ لامرأة أخرى تشعر فيه
بالراحة والسلام , وربما بمتعة الحب . . . لكنها , هي روزي , لا
يمكنها أن تراها بهذا الشكل . عضت شفتها بعنف , محاولة صد ما
تشعر به من كرب .
أدركت , لأول مرة في حياتها تقريباً , أنها تشعر بالخوف ! ليس
من غارد , مهما بلغ تهربها من مشاركته الغرفة . . والسرير . .
لا , ما كانت تخافه هو الخطر الذي كشف لها عنه . سألته بصوت
خافت وقد جفت شفتاها :
ـ نحن لا يمكن . . . إننا لن نذهب حقاً إلى السجن , أليس
كذلك ؟
ـ ماذا تريدينني أن أقول لك , يا روزي ؟ أن أكذب عليك بكلمات
حلوة لأخفف عنك ؟ إنك أنت التي تصرين على أنك امرأة ولست
طفلة !
ـ ولكن إذا اعتقد إدوارد أننا ننام مع بعضنا البعض , أننا متزوجان
حقاً , أتظنه سيتوقف إذ ذاك عن الارتياب فينا ؟
ـ من المؤكد , عندئذ تصبح شكوكه واهية الأساس إنما لا
تقللي من شأن إدوارد , يا روزي . إنه كاذب خداع . ومثل كل
الكذابين الخداعين , يعرف تماماً كيف يميز هذه الخصال في
الآخرين .
ـ لا أظن أحداً نام في هذه الغرفة منذ حفلة عيد ميلاد جدي
السبعين .
قالت روزي ذلك بصوت متوتر , متجاهلة كلام غارد , ثم تقدمت
نحو أوسع نافذتي الغرفة .
كان المخمل الذي يغطي الأريكة قديماً باهت اللون كالستائر
وغطاء السرير , لكنه ما زال سميكاً ناعماً ينطق بالترف ولا يماثله أي
نسيج عصري , في شهر العسل . . .
أجاب غارد بهدوء :
ـ نعم . أعلم هذا !
كان في صوت نبرة لم تسمعها منه من قبل . بدا وكأنه يشعر
نحوها بالعطف . . . بالشفقة . . .
ـ روزي , أنا أعلم أن هذا ليس أمراً سهلاً بالنسبة إليك . . .
تصلب جسم روزي وهي تلاحظ تقدمه نحوها من الخلف .
تحولت عن النافذة مندفعة في الحديث :
ـ إننا بحاجة إلى ملاءات نظيفة و . . . مناشف . هنالك بعض
الملاءات , كما أظن , كبيرة الحجم . . . إنها إرلندية وكانت جزءاً من
جهاز جدتي إنه سرير كبير الحجم جداً . . .
ـ نعم , سرير كبير الحجم جداً , أكثر اتساعاً مما نحتاجه وكذلك
عليه وسادتان مستطيلتان .
ـ وسادتان مستطيلتان ؟
ـ نعم , وسادتان مستطيلتان إنك تضعينهما على طول السرير
فتقسمانه إلى قسمين . في وقت ما , لم تكن أي رواية عاطفية تخلو
من (( وسادة خالية )) . . . أو هذا ما سمعت عنه !
قال ذلك هازلاً .
قالت بابتسامة باهتة :
ـ لا يمكننا استعمالهما رغم وجودهما . ربما يراهما إدوارد !
تهدج صوتها فجأة والدمع يفيض من عينيها ثم صرخت بتعاسة :
ـ لم أتصور قط أن الأمر سيكون بهذا الشكل . كل ما فكرت فيه
هو حماية المنزل , هذا كل شيء !
ـ نعم , أعرف هذا . هيا ابكي ما شئت , هذا يخفف عنك .
قال غارد ذلك وهو يجتاز الغرفة ويأخذها بين ذراعيه بحنان
غريب .
لم يكن لديها وقت للاحتجاج أو الرفض . كان رجلاً مختلفاً .
أدركت ذلك وهي تستكين إلى صدره وذراعيه الدافئتين . أشعرها
بمبلغ ما كانت تحس به من وحدة . . . لقد رحل أبوها وجدها ولم
يعد لها أحباب تلجأ إليهم لتشكو أحزانها ومشاكلها .
هذه الأفكار جعلت دموعها تفيض بغزارة مبللة قميص غارد
القطني الأبيض . قالت محتجة وهي تشهق مع الكلمات :
ـ لم أكن أقصد هذا .
ـ أعرف .
بدا صوت غارد حنوناً مغرياً في أذنيها , بنفس الحنان الذي تشعر
به بين ذراعيه .
ـ أنا خائفة يا غارد . ماذا سنفعل ؟
اعترافها الهامس هذا جعل ذراعيه تشتدان حولها قليلاً . لا بد أن
غارد خائف هو أيضاً , كما أخذت روزي تفكر , وإلا لما ضخم من
خطورة موقفهما بهذا الشكل .
ـ حسناً , هناك طريقة واحدة يمكننا بها التخلص من إدوارد !
انتفضت روزي ورفعت رأسها عن كتفه تحدق فيه غير مصدقة :
ـ أتعني أن نخبره بالحقيقة ؟ نعترف بأننا تعمدنا خداعه ؟ لا . . .
لا يمكننا القيام بذلك !
أحبطت عندما تركها غارد فجأة مبتعداً عنها بجفاء وفتور , ثم
وقف مديراً لها ظهره وهو يقول بصوت خشن :
ـ الحق معك ! لا يمكننا القيام بذلك ! اسمعي , علي أن أذهب
إلى المكتب الآن وسأحاول العودة بأسرع وقت ممكن . أما إدوارد ,
فسيكون مشغولاً بنقل أوراقه السرية , وسيكف عن مطاردتك أثناء
غيابي .
منتديات ليلاس
ماذا حدث للتناغم الذي كان بينهما منذ لحظات فقط ؟ أين ذهب
كل ذلك ؟ ولكن , كان عليها أولاً أن تسأل نفسها من أين جاء ذلك ,
كما حدثت نفسها والتعب يتملكها , وعما إذا حدث ذلك فعلاً أم أنها
كانت مجرد تخيلات . . . هكذا أخذت روزي تتساءل بقلق بعد
خروج غارد .
لم يحدث بينهما تقارب عاطفي قط , من قبل . . . ومع ذلك ,
يمكنها أن تقسم أنها شعرت , حين أخذها غارد بين ذراعيه , بأنه يريد
أن يواسيها من كل قلبه , أن يطمئنها , أن يتقرب منها . .
غارد يريد أن يتقرب منها ؟! ها هي ذي الآن تسمح لمخيلتها بأن
تذهب بها بعيداً .
لا شك أنه , في الواقع , يلعن اليوم الذي وصلت به الحماقة إلى
القبول بالزواج منها .
ـ كل ما أجروه هو أن تقدر ما نفعله لأجلك .
همست بذلك للمنزل وهي تلمس الجدار, عندما فتحت باب
غرفة النوم .

ـ ما أجمل فرش السرير اللائق بالملاءات !
هتفت السيدة فرينتون بذلك راضية وهي تتراجع إلى الخلف
لتبدي إعجابها بما أنجزته مع روزي .
السرير ذو الأعمدة الأربعة , وكذلك كل قطعة من الأثاث في
الغرفة , بما في ذلك خشب الجدران . كل ذلك صُقل ولمع , وغسلت
النوافذ . صنابير المياه النحاسية في الحمام دُعكت حتى أصبحت
كالذهب , وأخيراً , فُرش السرير بالملاءات والبطانيات والغطاء
التقليدي المطرز باليد .
نظراً لاتساع السرير , احتاج فرشه إليهما معاً . واستاءت روزي
داخلياً عندما قالت مديرة المنزل إن الأسرة العصرية تجعل الحياة
أسهل :
ـ إنك تتعبين كثيراً في العثور على غطــاء لسرير بهذا الحجم
يكفي اتساعه لنوم الأسرة كلها , أليس كذلك يا روزي ؟
أُسرة ! . . ومرت أمام عيني روزي سحابة صغيرة وهي تنظر
السرير .
تملكها شعور بالفـــراغ . . إحســـاس مؤلم بالوحــدة البالغة , بعدم
وجود شخص حميم يشاركهما حياتها , إنه شعور لم تعرفه من قبل .
شعور تملكها , لأول مرة , عصر هذا اليوم , بعد أن أبعد غارد من
حولها ذراعيه . وتملكتها قشعريرة أقلقتها .
عندما كتب جدها وصيته , كان يريد أن يبقى البيت ضمن
الأسرة . أن يعيش أحد فيه . أن يحبه أحفاده . ثم أخذت روزي تحدث
نفسها بثقة : غارد سيحبه ويعيش فيه ! سيحمي المنزل ! وفي النهاية ,
سيعيش فيه أولاده .
تملكها الذعر لعنف الشعور بالوحشة الذي اكتسحها , خصوصاً
وهي لا تعلم نماماً سبب شعورها هذا . . هل هو التفكير في أن أولاد
غار لن ينشأوا في (( مرج الملكة )) , كما نشأت هي , أم التفكير في أن
أولاد غارد هم الذين سينشأون فيه ؟
ومع ذلك , لم يحدث قط أن شعرت نحو المنزل بنزعة التملك .
لا نحو المنزل ولا نحو غارد , وإنما العكس .
القشعريرة البسيطة أصبحت رجفة عنيفة عندما أخذت الأفكار
والتصورات تُلهب مخيلتها , فحاولت إخمادها بالحديث إلى مدبرة
المنزل , محدثة نفسها بأن وجود إدوارد في البيت هو وحده مصدر
قلقها وتعاستها .

نهاية الفصل السابع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:11 am

8 ـ غـارد والــحـب




ـ حسناً , والآن أظنكما تريدان أن نترككما بمفردكما .
الابتسامة الوحيدة التي منحها إدوارد لروزي لم تزدها إلا
اشمئزازاً .
ـ ليس عليك أن تبقى هنا , يا مرغريت !
أمر زوجته بذلك , بعد أن اختفى ظرفه المصطنع , وهو يشيح
بوجهه عن روزي ويحدق في زوجته عبر مائدة العشاء , متابعاً :
ـ ما زال هناك أشياء كثيرة عليك أن ترتبيها , لا أدري كيف تبقين
جالسة عديمة النفع بهذا الشكل !
استاءت روزي بغضب لأجل مرغريت , عندما احمر وجه المرأة
الشاحب الهزيل ونهضت على الفور طائعة تلبي أوامر زوجها .
حاولت روزي مساعدتها بشكل آلي , دافعة كرسيها إلى الخلف
وهي تقول لها بسرعة :
ـ لماذا لا تؤجلين ذلك إلى الغد , يا مرغريت ؟ لن أذهب إلى
العمل في الملجأ قبل العصر , وبذلك يمكنني مساعدتك , وأنا واثقة
من أن السيدة فرينتون لن تمانع في مساعدتنا كذلك . . .
ـ الملجأ ! . . ( ارتفع حاجبا إدوارد وهو يقاطع روزي بغلاظة ) يا
إلهي ! . . كنت أظن غارد وضع حداً لذهابك إلى هناك . بالنسبة إلى
تلك الحثـــالة من الناس القانطين في الملجأ , لا أدري ماذا
بإمكانك . . .
قاطعته روي غاضبة :
ـ إنهم ليسوا من حثالة الناس ! ليس منهم من كان يريد أن يكون
شريداً دون مأوى , يا إدوارد . . . ليس منهم من كان يريد أن يعتمد
على الآخرين , على الدولة للحصول على صدقات و . . .
نفرت عندما أمسك غارد بيدها . أرادت أن تنتزع أصابعها من
قبضته , لكنها لم تجرؤ تماماً على ذلك . عملها في الملجأ كان على
الدوام موضوع جدال , خصوصاً مع جدها الذي كانت وجهه نظره
تنزع إلى الطراز القديم . كذلك , اشتبهت روزي في أن غارد يشارك
إدوارد رأيه , وسرعان ما سمعته في فكرها يقول بحزم وجهة نظره بأن
ما كانوا يحاولون إنجازه من وراء هذا الملجأ ما هو إلا تبديد للوقت
والمال .
ـ روزي على صواب تماماً , يا إدوارد ! وهــؤلاء الناس لا
يستحقون عطفنا فقط وإنمــا مساعداتنا العملية كذلك . وبمعزل من
موقفي الخاص , وحتى لو كنت أخالفها الرأي , فليس من حقي
التدخل في عملها . هي زوجتي , ونحن متماثلان في الحقوق . إنني
احترم حقها في تقرير ما تفعله وما لا تفعله . وعلى كل حال , إذا لم
يكن هناك احترام وثقة متبادلين بين الزوجين , كيف يمكن أن يكون
هناك حب ؟
استدارت روزي تنظر إلى غارد ذاهلة ! لم تتوقع منه قط أن يعبر
عن مثل هذه الآراء ! أتراها بعيدة إلى هذا الحد عن غارد ؟ غارد الذي
كانت تظن نفسها تعرفه ؟ غاد الذي طالما اعتبرته دوماً متغطرساً
مستبداً !
بطرف عينها , رأت وجه مرغريت بملامحه الكئيبة التعسة .
مسكينة مرغريت ! كم هي مأساة أن تتزوج رجلاً مثل إدوارد ! وكم
تكون المأساة أكبر لو أنها أحبته ذات يوم !
هذه الحادث الصغيرة استقرت في ذهنها , وعندما أصبحت هي
و غارد بمفردهما أخيراً , استدارت نحو تسأله بتشكيك :
ـ هل كنت تعني حقاً ما قلته ؟ من . . . عن اعتقادك بأن . . . بأن
حبك لشخص بمعنى الاحترام له والثقة به ؟
النظرة الفاحصة التي رمقها بها جعلتها تتمنى لو أنها لم تثر هذا
الموضوع . سألها بجفاء :
ـ إنها المرة الأولى , أليس كذلك , التي تكتشفين فيها أن لدي
أفكاراً ومشاعر بدلاً من . . . ؟
ـ بدلاً من ماذا ؟
هز رأسه ببساطة , ثم قال بهدوء :
ـ نعم ! أنا أعتقد حقاً أن الاحترام والثقة يسيران مع الحب جنباً
إلى جنب . . . الحب الحقيقي وليس ذلك الحب الشائع المبني على
الشهوة . الذي يحب شخصاً ما , يعني أنه يحبه كما هو لذاته , يريده
أن يكون هو نفسه بدلاً من محاولة تغييره إلى الصورة المسبقة التي
رسمها في خياله . هذا يعني أنه يحبه لما هو عليه وليس بالرغم مما
هو عليه . . .
وإذ لاحظ عليها شيئاً من الاضطراب , قطب جبينه وسألها برقة :
ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟
أجابت تلقائياً :
ـ لا شيء ! لا شيء أبداً !
لم تجرؤ على النظر إليه مباشرة لاحتمال أن يرى المشاعر في
عينيها فيتكهن بتأثير كلماته عليها . هل يمكن أن يحبها شخص ما
بهذا الشكل ؟ بمثل هذا الصدق ؟
أذهلها أن غارد هو , من بين جميع الناس , الذي وصف لها
الحب كما تتصوره وتتمناه بالضبط . غارد الذي لو كانوا سألوها عنه ,
لما ترددت في القول إنه لا يستطيع فهم هذه المبادئ ولا المشاركة
فيها .
سمعته يقول لها :
ـ يبدو عليك التعب لماذا لا تذهبين إلى سريرك قبل أن يقرر
إدوارد فرض صحبته علينا ؟ ربما نال كفايته من إرهاب مرغريت !
لم تستطع مقاومة سؤال ألح عليها , فقالت بهدوء :
ـ أتظنها أحبته يوماً مــا ؟
هز رأسه قائلاً بلهجة حاسمة :
ـ لا ! أبداً ! أما أنه الرجل الذي انخدعت بأنه يحبها , أظن
نعم ! . . . ويا لتعاسة تلك المرأة ! .
ـ لا أدري لماذا تبقى معه وهو يعاملها بهذا الشكل الرهيب .
ـ لعله دمر احترامها وتقديرها لنفسها إلى درجة لم تعد تستطيع
معها الرحيل . ثم هناك طبعاً ولداها .
ـ إنه شخص رهيب يتلذذ بإرهابها وتعذيبها . . .
قال غارد محذراً :
ـ نعم ! وهذا لا شيء بالمقارنة بما قد يريده لنا إذا ما اكتشف
الحقيقة عن زواجنا .
ارتجفت روزي قليلاً , وهي تقول متوسلة والخوف في غينيها :
ـ لا تقل شيئاً , يا غارد !
قال يطمئنها :
ـ لا بأس ! ليس ثمة سبب يجعله يكتشف الحقيقة ما دمنا , نحن
الاثنين , حذرين . . .
همست قائلة :
ـ لم يخطر لي قط أنه سيفعل شيئاً كهذا , ينتقل إلى هنا . . .
ـ كفى قلقاً لهذا الأمر ! ولا تنسى أن عليك الظهور بمظهر عروس
في غاية السعادة !
منحته روزي ابتسامة شاحبة :
ـ هذا صحيح ! وأياً ما كان الأمر , لا سيما إذا كنا نحب بعضنا
بعضاً , فإن وجود إدوارد أو أي شخص آخر هنا , هو شيء غير
مرغوب به .
قال موفقاً :
ـ غير مرغوب به على الإطلاق .
شيء ما في نظرته و نبرة صوته , جعل قلبها يخفق ووجهها يحمر
قليلاً . قالت بصوت أبح :
ـ الحق معك ! يجب أن أذهب إلى فراشي . إنني متعبة . . .
ـ أما أنا فسأتأخر ساعة أو نحوها علي أن أنجز بعض الأمور .
ـ هذا حسن ! تصبح على خير إذن .
تمتمت روزي ذلك بلهجة غريبة , متجنبة النظر إليه عندما فتح
لها الباب .
منتديات ليلاس
كانت في منتصف الممر عندما سمعت إدوارد يناديها . انقبضت
على الفور و أخذت نفساً عميقاً قبل أن تلتفت .
سألها إدوارد ساخراً عندما وصل إليها :
ـ أذاهبة أنت للنوم في هذا الوقت المبكر ؟
استطاعت روزي , بشكل ما , أن تمنع نفسها من الرد عليه
بالطريقة التي ترغب بها وقالت بهدوء :
ـ كانت مرغريت بدو متعبة جداً أثناء العشاء , يا إدوارد ! لا بد
أن الأمر كان مرهقاً جداً لها , أعني الانتقال إلى هنا بتلك السرعة .
ـ لا عليك , إنها تحب تضخيم الأمور . هذا هو طبعها . أين
غارد ؟
ـ لديه بعض الأمور الخاصة .
نظرة إدوارد إليها أشعرتها بمزيج من الغضب وعدم الارتياح .
قال ساخراً بشكل مهين :
ـ إنه لم يسأمك , أليس كذلك ؟ عليك أن تراقبيه , يا روزي ! إن
رجلاً بمثل سمعته . . .
قال غاضبة :
ـ لقد اختارني غارد زوجة له ؛ وإذا كانت لديه علاقات ماضية
فهي بالضبط من الماضي . . . يا إدوارد .
شعرت بالزهو لجوابها هذا الذي بدا أنه هز إدوارد حتماً . ثم
قالت له بلهجة ازدراء واستنكار :
ـ ما الذي تفعله هنا في هذا الطابق ؟
ـ كنت في طريقي لأحضر أشياء وضعتها في الكاراج . يجب أن
أدخل أمتعتنا بسرعة , وهذا سيستغرق ساعتين على الأقل . أتعلمين ,
يا روزي , كان عليك التفكير ملياً قبل الاندفاع إلى الزواج من غارد ؟
إنها مجازفة كبرى منك ! .
شعرت روزي بخفقات قلبها تتسارع , فقالت متحدية , راجية ألا
يرى في عينيها إحساساً بالذنب :
ـ ماذا . . . ماذا تعني ؟
ماذا ستفعل أو تقول لو أخبرها بأنه يعرف سبب زواجها من
غارد ؟ . لماذا تركته يحاصرها بهذا الشكل في غياب غارد ؟ لماذا
جاءت . . . ؟
قال إدوارد بلطف :
ـ إنك تعلمين ماذا أعني . نعم , يمكنني أن أفهم سبب وقوعك
في غرامه . من المؤكد أن غارد يعرف كيف يعامل النساء . طبعاً لكثرة
تجاربه . . . ولكن هل سألت نفسك يا روزي لماذا تزوجك ؟
أجابت على الفور :
ـ لأنه يحبني .
للحظة واحدة فقط , ظنت أن إدوارد تكهن بالحقيقة . وحتى لو
لم يحدث ذلك , فمن الواضح أنه يشتبه في شيء ما . سلمت روزي
بهذه الفرضية وهي تستدير على عقبيها وتتركه .
بهذا النور الخافت بدت غرفة النوم الفسيحة مريحة حميمة بشكل
مدهش . لعل السبب هو السرير !
بدا السرير وكأنه . . .
حولت نظراتها عنه بسرعة . حسناً , لا يبدو على هذا السرير أنه
صُمم لينام عليه شخص عازب وحيداً , وإنما العكس تماماً . . .
خرجت روزي من الحمام متباطئة , وتناولت منشفة لفتها حول
جسدها . لقد أمضت وقتاً طويلاً وهي مستلقية في الحوض , متنعمة
بتلك الرفاهية البالغة , والمياه الدافئة المعطرة التي جعلتها تشعر
بالنعاس .
منتديات ليلاس
سارت مبتسمة إلى غرفة النوم , وإذا بها تقف فجأة وقد اختفت
ابتسامتها . تذكرت أن قميص نومها , فضلاً عن بقية ثيابها وملابسها
الداخلية ما زالت في غرفتها السابقة .
أثناء انشغالها بتجهيز هذه الغرفة , وقلقها من انقضاض إدوارد
المفاجئ عليهما , نسيت تماماً نقل أمتعتها .
نظرت إلى باب الغرفة بحيرة وهي تعض شفتها . هل يمكنها
المجازفة بالركض في الممر وهي على هذه الحال لإحضار ملابسها ,
أم عليها أن تعود وترتدي ثيابها السابقة خوفاً من أن يراها إدوارد ؟
كانت ما تزال واقفة تقلب الأمر في ذهنها , عندما انفتح الباب
ودخل غارد .
حدقت فيه روزي , وهي تتأكد من التفاف المنشفة حولها
بإحكام .
ـ أظنك قلت إنك ستمضي ساعتين في العمل !
ـ هذا صحيح ! لكم إدوارد كـــــان هــنــــاك بتعليقاته الساخـــرة حول
العرسان والعرائس المهجورات . . .
ـ هل ما زال هناك ؟
ـ نعم . يبدو أن لديه بعض الأمتعة التي يريد نقلها إلى الطابق
العلوي هذه الليلة . لماذا ؟
عبست روزي بضيق قائلة :
ـ نسيت نقل حاجياتي من غرفتي القديمة .
هز غارد كتفيه بعدم اهتمام :
ـ يمكنك نقلها عند الصباح . إذا قال لك شيئاً قولي له إنك لم
تجدي وقتاً لنقلها قبل الزفاف .
قالت مستنكرة :
ـ لا , إنك لم تفهمي قصدي , ليس . . . ليس لدي شيء . . لا
شيء مطلقاً ! ملابسي الداخلية , قميص نومي , كل ذلك ما زال في
غرفتي القديمة ! وكذلك الحقيبة التي أحضرتها من بروكسل .
قالت ذلك بانفعال , ثم هدأت قليلاً أمام نظرة غار الباردة
وتابعت مدافعة عن نفسها :
ـ نسيت كل شيء عندما فوجئت بحضور إدوارد , ثم انشغلت
بعد ذلك بإعداد هذه الغرفة . علي أن أذهب وأحضرها .
فقال غارد بحدة :
ـ لا !
قالت بذعر :
ـ لكن علي أن أحضر قميص نوم ! ليس لدي ما أنام به ! أنت
لديك كل أشيائك !
ذلك أنها سبق وأفرغت , مع السيدة فرينتون , الحقيبة التي
أحضرها غارد من شقته وفيها بعض الملابس . آنذاك , قال لهما
ساخراً إنه لم يتوقع منهما القيام بذلك , قال لها الآن :
ـ العروس يا روزي , لا تترك غرفة عريسها لتذهب وتحضر
قميص نوم ! ثم إن هذا العمل لا حكمة فيه بالنسبة إلى وضعنا
الحالي , خصوصاً وأن إدوارد ما زال يجول في أنحاء البيت . أظن أن
عليك , لهذه الليلة على الأقل , أن تنامي . كما أنت . . .
أخذت روزي تحدق فيه , ثم قالت بصوت مختنق :
ـ لا ! لا أستطيع . . .
ـ تستطيعين طبعاً ! فأنا أفعل هذا على الدوام .
أخذت تنقل نظراتها بذعر بينه وبين السرير الضخم .
ـ لن أنام إلى جانبك في هذا السرير إلا إذا كان أحدنا . . بل
نحن الاثنين , مرتدين ثياباً !
سألها بهدوء :
ـ وما المانع؟
أخذت تحدق فيه باضطراب . ما الذي يعنيه بقوله ( ما المانع ) ؟
أليس الأمر واضحاً ؟ قالت باستنكار :
ـ لأن هذا غير مناسب !
رفع غارد حاجبيه :
ـ أحقاً ؟ يخيل إلي أن لديك فكرة غريبة جداً عن الزواج , يا
روزي ! أؤكد لك أن هذا هو المناسب بالضبط .
سكت وأخذ ينظر إليها فيما الخجل يلهب جسدها من الرأس
حتى القدمين . ثم قال ممازحاً :
ـ ما هذا , يا روزي ؟ أتخافين من أن تفقدي السيطرة على نفسك
وأنت معي ؟!
كانت تعلم أنه يمزح وبدلاً من الشعور بالارتياح لمحاولته
تلطيف الجو , شعرت بشيء من الانقباض .
منتديات ليلاس
ابتلعت ريقها بصعوبة وأزعجتها مشاعر لا تجرؤ على تسميتها .
لم تعرف ماذا تقول , وبدلاً من ذلك تناولت وسادة وقذفت بها
غارد بغضب .
تلقى الوسادة بيديه وهو يضحك منها استخفافاً , ويقول :
ـ حسناً ! إذا كنت تصرين على التصرف كطفلة , يا روزي . . .
وتحرك بسرعة لم تترك لها مجالاً للهرب وهو يرفعها عن الأرض
مبعداً إياها عنه قليلاً , ضاحكاً منها وهي ترفس بقديمها احتجاجاً ,
طلبة منه أن يتركها .
استجاب لطلبها ضاحكاً . وعندما ترك خصرها ومست أصابع
قدميها الأرض , شعرت بالمنشفة تنزلق عن جسدها .
عندما أخذت تكافح بذعر لالتقاطها , سمعت غارد يقول بهدوء :
ـ ربما أنت على حق يا روزي ! لعل النوم جنباً إلى جنب ليس
بالفكرة الجيدة . ولكن مع الأسف , ليس لدينا خيار آخر . ليس لأي
منا خيار آخر , ولهذا ليس أمامنا سوى القبول بالواقع . وهذا السرير
اللعين كبير بما يكفي لأن ينفرد كل منا بنفسه .
لا عجب من غضب غارد منها بهذا الشكل , كما أخذت روزي
تفكر وهو يدخل الحمام , تاركاً إياها تتكور تحت الأغطية . لو أنها لم
تكن غبية بذلك الشكل فتنسى نقل ملابسها . . .
اختنقت بالدموع وبردت قدماها . لماذا هي بلهاء عديمة الحنكة ,
ما جعلها تحدث كل تلك الضجة لأجل قميص نومها ؟ كان واضحاً
من الطريقة التي تصرف بها غارد أنه لا يريد إرغامها على شيء .
ولكن , أليس هذا ما ينبغي أن يكون , وما تريده هي ؟ أخذت
تحدث نفسها بذلك وهي تبتعد إلى حافة السرير البارد ثم تغمض
عينيها محاولة تجاهل الأصوات القادمة من الحمام .
يبدو أن غارد , بعكسها , اختار الدوش . ارتجفت من تصوراتها
المعذبة .
لكنها لم تكن تريده . . إنها لا تريده طبعاً . . . حتى إنه لا
يعجبها . . .
وتناولت واحدة من الوسائد الزائدة تضعها فوق أذنيها , مانعة
الأصوات التي تعذبها , القادمة من الحمام . . .

نهاية الفصل الثامن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:13 am

9 ـ كيف آخــر اللعبة . . . الندم !



استيقظت روزي فزعة . كان هناك شخص يقرع باب الغرفة . ثم
صوت إدوارد يناديها وينادي غارد .
شعرت بالتوتر عندما أدركت أن سبب شعورها اللذيذ بالدفء
وكراهيتها الاستيقاظ هو أنها كانت , أثناء نومها , قد انتقلت من
مكانها في طرف السرير لتصبح الآن مستلقية ببراءة في وسطه بجانب
غارد .
ـ لا بأس يا روزي . إبقي هنا بينما أذهب أنا لأعرف ما يريد .
قال غارد ذلك وهو يجلس , ثم أضاء المصباح الذي بجانب
السرير , ونزل إلى الأرض . رأته من طرف عينها يتناول معطفه
المنزلي ويضعه على جسده , فتنهدت بارتياح .
سمعت غارد يسأل متجهماً , وهو يفتح الباب ساداً إياه بجسمه
لئلا يدخل إدوارد :
ـ نعم يا إدوارد , ماذا هناك ؟ .
ـ إنها مرغريت . هل روزي . . . ؟
ـ ماذا حدث , يا إدوارد ؟ ما بها مرغريت ؟
ـ إنها . . . لديها صداع . . وكنت أتساءل عما إذا كان لدى
روزي أسبرين أو ما أشبه . لم نجد عندنا شيئاً من ذلك .
رفع غارد حاجبيه غاضباً :
ـ صداع ؟ أتوقظنا الساعة الثانية صباحاً لأن زوجتك لديها
صداع؟!
أجاب إدوارد مدافعاً :
ـ حسناً , إنه صداع شديد من نوع الشقيقة ! .
ـ إذا كان لدى مرغريت مرض الشقيقة , لا أظن مجرد الأسبرين
سيفديها .
حاولت روزي أن تجلس قليلاً , ساترة نفسها بالملاءة , وهي
تقول من الداخل :
ـ آسفة , يا إدوارد ! ليس لدي شيء هنا . يمكنك أن تجد شيئاً من
ذلك في خزانة الأدوية في المطبخ . مسكينة مرغريت ! لا بد أنها تتألم
كثيراً .
ـ حسناً ! سأنزل لأحضر لها شيئاً . آسف للإزعاج ! . . .
لم يكن في صوته ما يدل على الأسف . هكذا لاحظت روزي
بضيق , بينما غارد يرد الباب .
عادت روزي تعبر عن أسفها مجدداً :
ـ مسكينة مرغريت .
ـ نعم , مسكينة مارغريت لو كان لديها مرض الشقيقة حقاً ! أنا
شخصياً أشك في ذلك , وفي الواقع . . .
سألته روزي بقلق :
ـ ماذا تعني ؟ تريد أن تقول إن إدوارد أيقظنا متعمداً لكي
يرى . . . ؟
فقال غارد متجهماً :
ـ أننا نائمان معاً حقاً . إنه احتمال قوي !
العنف الذي بدا على وجه غارد جعل قلب روزي يخفق قلقاً .
حولت وجهها عنه وهي تعض على شفتها .
وعندما عاد إلى السرير وأطفأ النور , انخفض السرير قليلاً تحت
وزنه . همست روزي بصوت خافت :
ـ غارد , إلى أي حد تظن إدوارد يشك فينا ؟ أعني لا بد أنه تكهن
بشيء جعله يأتي إلى هنا , أليس كذلك ؟
ـ هذا ما يبدو .
قال غارد ذلك بعد لحظة صمت , وعندما تأوهت روزي بكرب
أضاف يقول :
ـ ولكن لا فائدة من التوصل بسرعة إلى الاستنتاجات , أو
القلق , وفي الواقع , لم ير شيئاً هنا الليلة يثبت ظنونه . . . بل على
العكس . . .
أدركت روزي أن غارد يقول الحقيقة , لكنها ما زالت تشعر
بالتوتر والانزعاج .
ـ ذهب إدوارد الآن , عودي إلى النوم !
قالت وهي ترتجف :
ـ لا أستطيع . أنا خائفة يا غارد . ماذا لو عرف إدوارد و . . .
سمعت حفيف ملاءات السرير عندما استدار غارد إلى المصباح
يضيئه , ثم يقول لها بهدوء وهو ينظر إليها :
ـ لا شيء هناك لتخافي منه . . . ما هذا يا روزي ؟ هل تبكين
حقاً ؟ !
قال ذلك برقة بالغة .
هزت رأسها بسرعة , لكنها أدركت أنه لا بد رأى الشك يلمع في
عينيها . قالت بصوت مختنق :
ـ قلت لي إننا سنذهب إلى السجن .
أجاب مصححــاً :
ـ بل قلت إننا ربما نذهب .
رأت صدره يتسع وهو يجذب نفساً عميقاً . شعرت بقشعريرة
غريبة تسري في جسمها . لكنها اندفعت في الكلام تخمدها , فقالت
بصوت أجش :
ـ لم أكن أتصور أنني سأخاف من شخص مثل إدوارد .
ـ وأنا لم أكن أتصور أن يوماً سيأتي تعترفين لي بأنك خائفة من
أي شيء ! لا بأس , يا روزي . أعدك بأن كل شيء سيصبح على ما
يرام . تعالي . . .
منتديات ليلاس
عندما مد يديه يأخذها بين ذراعيه , منعتها الدهشة من الكلام .
منذ زمن بعيد لم يحتضنها أحد مواسياً ومخففاً عنها . أخذت تتساءل
بينما كان غارد يرد شعرها عن وجهها . همست تقول :
ـ ما زلت لا أستطيع التصديق أن إدوارد يفعل شيئاً كهذا . أن
يأتي إلى هنا في منتصف الليل لكي يتأكد . . .
قال مواسياً :
ـ كفى حديثاً عن ذلك . لقد ذهب الآن .
ـ نعم , أعرف ( ورفعت رأسها عن كتفه لتنظر في عينيه ) ولكن ,
لو لم يجدنا معاً يا غارد . . . لو أنك كنت نائماً على كرسي , أو لم
كنت أنا . . .
قاطعها بجفاء :
ـ مرتدية قميص نومك ! سبق وقلت لك , يا روزي , إنسي هذا !
ارتجفت فجأة ودفنت وجهها في كتفه , قائلة :
ـ لا أستطيع ! لا أستطيع !
ـ روزي !
لم تستجب لضغط يده على كتفها يبعدها عنه . لم تشأ أن تبتعد
عنه , لم تشأ أن تعود إلى ناحيتها الباردة الموحشة من السرير . لم
تشأ . . .
سمعته يحذرها برقة :
ـ روزي . . . إنك تعلمين ما سيحدث إذا لم تتركيني , أليس
كذلك ؟
تتركه ؟ اتسعت عيناها ذهولاً عندما أدركت ما يعنيه . إنها تريد أن
تبقى بجانبه كما هي الآن , بالضبط على مقربة منه .
ـ غارد . . .
أتراه سمع الاضطراب في صوتها ؟
اتسعت عيناها وهو يحيط وجهها بيديه , وعيناه أشد ظلاماً
وتألقاً . . .
عضت روزي باطن شفتها بأسنانها متوترة .
ـ لا تفعلي هذا !
سمعت غارد يتمتم بذلك , قبل أن ينحني ليعانقها . لم يسبق أن
عرفت روزي أحاسيس عميقة كهذه التي تشعر بها وهو يحتضنها .
كان تأثيرها أشبه بالصدمة .
ابتعد غارد عنها قليلاً وقال بصوت اختلطت فيه الرقة بالشك .
ـ هل تريدينني يا روزي ؟
ـ نعم .
ـ قوليها مرة أخرى .
قالت وهي تتشبث به .
ـ نعم ! نعم ! نعم !
ـ أتعلمين كم حلمت بأن أراك , جميلة ورقيقة . . . ؟ أنت حقاً
امرأة مكتملة . . .
كان وقع كلماته على قلبها كنار أذابته أكثر فأكثر .
عاد يردد :
ـ يا لك من ساحرة يا روزي ! لو لم أكن أعرفك لاعتقدت . . .
خنقت المشاعر صوت غارد فلم يكمل جملته . جرفهما الشوق
الدفين كل باتجاه الآخر . ولم يعد للتردد مكان في هذه اللحظة .
أدركت أنها أحبت غارد وأنه يحبها أيضاً . روعة تلك المشاعر
أثارت الخوف في نفسها . حبها لغارد كان شيئاً جديداً طرأ عليها .
اكتسحها الذعر مجدداً فأشاحت بوجهها عنه , شاعرة بالتوتر الذي
تملكه وجعله يبتعد عنها قليلاً لينظر إليها .
ـ روزي ! ما الذي . . .
دفعها التوتر إلى الاندفاع في الكلام , غير واثقة من أنها تريد أن
تسمع ما قد يقوله :
ـ حسناً , على الأقل لن يتمكن إدوارد الآن من الادعاء بان زواجنا
غير صحيح .
تصلب جسد غارد ثم قال باختصار وهو يبتعد عنها كلياً :
ـ هل هذا سبب كل ما حدث بيننا ؟!
أخذ يشتم بصوت خافت , ثم تابع يقول :
ـ يا إلهي ! . . . بينما أنا ظننت في الواقع . . .
ـ غارد !
هتفت باسمه مترددة , لكنه لم يكن يستمع إليها . . . حتى إنه لم
ينظر إليها . . . وتملكتها التعاسة وهو يبتعد عنها إلى الناحية الخالية
من السرير ثم يطفئ المصباح . قال متجهماً وهو يوليها ظهره :
ـ نامي يا روزي ! فقط نامي . . .
تكورت روزي بشكل كرة صغيرة حزينة . تملكها الألم واختنقت
بالدموع فلم تستطع أن تفسر له موقفها ومبلغ الصعوبة التي وجدتها
لتتعود على حقيقة مشاعرها نحوه . . .
لعله لم يشعر نحوها بنفس ما شعرت هي نحوه ! لعلها أخطأت
في التعبير ! ولكنه يعلم تماماً رأيها في الزواج وأنه لا يمكنها التمادي
مع أي رجل . . . دون حب !
وعندما ابتدأت الدموع تنهمر على وجنتيها , عضت شفتها بشدة
لتمنع نفسها من إصدار أي صوت ينم على ذلك .

فتحت روزي عينيها بحذر , لكن الأمر كان على ما يرام , كانت
وحدها في الفراش , ويبدو أنها وحدها في الغرفة أيضاً .
جلست ببطء , تلف حولها ملاءات السرير .
تحول الحذر إلى شوق كئيب وهي تنظر إلى مكان غارد الخالي
بجانبها .
كانت حمقاء الليلة الماضية عندما تركت غارد يبتعد عنها دون أن
تخبره بشعورها نحوه . أما اليوم , فسيكون الأمر مختلفاً . حدثت
نفسها بذلك متفائلة . ولكن , أين ذهب غارد ؟
أبعدت عنها أغطية الســــرير , ثم قطبت جبينــها حـــيــن تذكـــرت أن
ليس لديها ملابس نظيفة . عليها أن ترتدي ملابس أمس ثم تذهب إلى
غرفتها القديمة . ازداد تقطيـبـها عندمـا وقعت عينـاهـا على كومة من
الملابس الداخلية البيضاء على كرسي , هي ملابسها .
هنالك شخص مـــا , هـــو غارد بالتـأكيـــد , توقع ما هي بحاجة إليه .
وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها .
كان غارد على صواب تماماً ! استقرت على هذا الرأي وهي
تخرج من الحمام بعد أن اغتسلت وارتدت ثيابها . لم تكن قمصان
نومها , وهي فتاة , تصلح حقاً لامرأة متزوجة ! ثم إنها ليست ضرورية
تماماً .
حاولت روزي , أن تبعد عن ذهنها هذه الأفكـــار غير اللائقة .
لكنها حين نظرت في المرآة , أدركت أن توهج وجهها وتألق عينيها
يفضحانها . وحين يراها غارد , سيتذكر على الفور الليلة الماضية .
فتحت باب غرفة النوم ورأسها يدور , ثم أسرعت تهبط السلم .
لم تتصور قط أن حبها لشخص ما سيثير مشاعرها إلى هذا الحد . لكن
غارد حبيب جداً إلى قلبها . تنفست بسعادة غامرة .
عندما و صلت روزي إلى أسفل السلم , كانت السيدة فرينتون
خارجة من غرفة المكتبة .
ـ أين غارد ؟
سألتها روزي بلهفة وعلى شفتيها ابتسامة سعيدة .
بدت الحيرة على وجه السيدة فرينتون لسؤال روزي وكأنه
أدهشها . قالت :
ـ لقد خرج , يا آنسة روزي . أمرني أن أتركك تنامين لأنك
أمضيت ليلة مزعجة , وأن أخبرك بأنه سيعود متأخراً هذه الليلة . قال
شيئاً عن تناوله العشاء مع زبون بالغ الأهمية في لندن .
شحب وجه روزي , وتحولت بهجتها إلى ارتباك .
لماذا لم يوقظها غارد ويقل لها شيئاً ؟ كيف يتركها بهذا الشكل
بعد الليلة الماضية , دون كلمة ؟ دون ذكر لما حدث ؟ بدا النهار أمامها
فارغاً , مليئاً بالساعات التي تمضي بطيئة بينما هي تنتظر عودة غارد .
سألتها المرأة :
ـ هل يمكنني إحضار الفطور لك ؟
هزت روزي رأسها صامتة وهي تبتلع غصة في حلقها .
بعد ذلك بعشر دقائق , كانت وحدها في المكتبة تنظر باكتئاب
من النافذة عندما انفتح الباب . فكرت لحظة في أنه غارد . انتعشت
روحها والتفتت بابتسامة ترحيب دافئة . لكن ليس غارد من دخل إلى
المكتبة وإنما إدوارد . قال :
ـ أليس غارد هنا ؟ حسناً , لا تقولي إنني لم أحاول تحذيرك . إنك
تعلمين سبب زواجه منك , أليس كذلك , يا روزي ؟
أرادت أن تطرده , لكن الكلمات التصقت في حلقها . وبدلاً من
ذلك , أشاحت عنه بوجهها , محاولة إسكاته بتجاهلها له . لكن
إدوارد ضحك بخشونة .
ـ إنك لا تريدين سماع الحقيقة , أليس كذلك ؟ ألا يمكنك
مواجهتها ؟ حسناً , يا عزيزتي روزي . علينا جميعاً , مع الأسف , أن
نواجه أموراً كريهة من وقت لآخر ! أنا , مثلاً , عندما علمت أنني لن
أرث هذا المكان , وجدت ذلك أمراً كريهاً للغاية .
قالت له بصوت غير واثق :
ـ إنك علمت شروط وصية جدي .
أجاب بلؤم :
ـ آه , هذا صحيح ! كما أنني لم أكن الوحيد الذي علم بذلك
حينذاك , أليس كذلك يا روزي ؟ ألم يســاورك الشك حين عرض غارد
عليــك الزواج ؟ كان يعــــرفك منذ زمن طويل , ولو كان يريدك لكــان
تقـــدم إليك . . .
قالت بغضب :
ـ ليس علي أن أستمع إلى كلامك هذا , يا إدوارد ! مشاعر غارد
ومشاعري وزواجنا هي أمور خاصة ليس لك شأن بها .
قال بمرارة :
ـ بل لي شأن بها . اكبري يا روزي وواجهي الحقائق , إنه
تزوجك لسبب واحد فقط , تزوجك لأجل (( مرج الملكة )) . وهو لن
يستقر حتى يطمئن إلى أن ولده سيرث . لو كان يحبك لتزوجك منذ
سنوات .
قال ذلك بغلاظة بينما شهقت روزي ذهولاً وقد شحب وجهها .
وزاد إدوارد من قسوته وهو يضيف :
ـ ولماذا يرغب فيك رجل مثله ؟ بإمكانه أن يحصل على أيه امرأة
يريدها . . . أية امرأة . لا أريد أن أجرحك , يا روزي . ( قال ذلك
متصنعاً رقة تثير الغثيان ) إنني فقط أحاول أن أساعدك . . . أحميك .
يمكنك أن تتركيه الآن , قبل فوات الأوان . اخبريه بأنك رأيت من
تصرفاته ما يدل على عدم حبه لك . إنك تعلمين أنه لا يريدك , أليس
كذلك يا روزي ؟ لو كان يحبك حقاً , لكان معك هنا الآن . هل
تعلمين حتى أين هو أو مع من ؟
لم تجرؤ روزي على الاستدارة نحوه وموجهته كيلا يرى الألم
في عينيها . لقد تزوجها غارد لأجل (( مرج الملكة )) . هذا صحيح
طبعاً . . . وهي تعلم ذلك . دائماً كانت تعلم . ما الذي جعلها بهذه
الحماقة لتظن العكس ؟
أتى صوت من جهة الباب :
ـ إدوارد , هـــــل لــــي بدقيقة من وقـــتـــك ؟ لم أعثـــــر على مفاتيح
سيارتي .
أحســـت روزي بالارتياح وهي تسمع صــــوت مرغريت آتياً من عند
عتبة الباب .
لاحظت تذمر إدوارد وهو يتبع زوجته إلى الردهة . أحست مجدداً
بالأسى على مرغريت لزواجها من رجل لا يحبها , متسائلة كيف
يمكنها احتمال البقاء معه ؟
لعل وضعها مع غارد يشبه على نحو ما وضع مرغريت مع
إدوارد .
لم يحبها غارد , بينما بلغت بها الحماقة أن ظنت أنه يحبها . . .
أو أن بإمكانه ذلك . إن تغير مشاعرها نحوه بهذا الشكل لا يعني أن
مشاعره هو أيضاً تغيرت . كيف تصرفت بكل ذاك الغباء ؟ وكيف
يمكنها أن تواجهه بعد الآن ؟ الحمد لله أن إدوارد جعلها , دون قصد
منه , تدرك الحقيقة قبل أن تخبر غارد بأنها تحبه .
ابتلعت ريقها بألم . وعلى الرغم من تحطم قلبها , فإن كرامتها
على الأقل ستبقى محفوظة . وإذا واجهها غارد بما حدث بينهما ,
ستقول له ببساطة إن ذلك كان بسبب خوفها من أن يكتشف إدوارد
الحقيقة .

نهاية الفصل التـاسع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Cornelia Hale
المراقبة العامة
المراقبة العامة
Cornelia Hale


المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 22/07/2019
العمر : 20

لم أعد طفلة_قلوب أحلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: لم أعد طفلة_قلوب أحلام   لم أعد طفلة_قلوب أحلام Emptyالإثنين يوليو 22, 2019 5:14 am

10 ـ نار من قلب الدموع



ـ روزي .
أجفلت روزي عندما سمعت غارد يناديها . كانت وصلت تقريباً
إلى الباب الخارجي . هل يمكنها فتحه والهرب ؟ لقد عاد مبكراً هذا
النهار . وأثناء الشهر الذي مر على زواجهما . كان يتأخر في عمله كل
ليلة ما جعلها تحرص على أن تكون في الخارج حين يعود , تماماً
كما فعلت ليلياَ في الأسبوع الماضي .
عندما سألها رالف إن كان بإمكانها المناوبة ليلاً في الملجأ مع
أحد المتطوعين , وجدت ذلك فرصة مناسبة , فتبرعت بالعمل عدة
ليالٍ أخرى .
رأت رالف يقطب جبينه وهو يسألها :
ـ هل أنت واثقة ؟ ألن يعترض غارد ؟
أجابته صادقة :
ـ غارد نفسه مشغول جداً .
هل هو مشغول جداً بعمله . . . أم بتجنبها ؟!
ابتسمت بمرارة . بدا وكأن دهراً مضى منذ كانت تشعر بالقلق
لاضطرارها إلى مشاركة غارد غرفته . وكذلك عندما أخذ يغيظها ,
مازحاً , متحدثاً عن تأثير قربه منها على مشاعرها . لم يخطر لها قط
مبلغ صحة نبوءته هذه ومبلغ جهلها حينذاك , وغفلتها .
والآن . مع استمرار بقاء إدوارد ومرغريت في المنزل , ليس لديها
خيار سوى الاستمرار في مشاركة غارد غرفته . لكن غارد كان يحرص
على البقاء في الطبق السفلي حتى يتأكد من نومها , أو يظن ذلك
حين تتظاهر هي بالنوم . كانت تستلقي مغمضة العينين بينما يتنقل هو
في أنحاء الغرفة , محاولة جهدها كبح مشاعرها التي كانت تسبب لها
آلاماً رهيبة .
حتى عندما كانت تتأكد من استغراق غارد في النوم , لم تكن
لتفرج عن نفسها بالبكاء . لم تكن تجرؤ على ذلك . ماذا لو استيقظ
غارد فجأة فوجدها تبكي ؟ .
مرة أو اثنتين في الأسبوع الذي تلا تلك الليلة , أحست به
يراقبها . وفي عدة مناسبات , شعرت وكأنه يوشك أن يقول شيئاً عما
حدث . لكنها , كل مرة كانت تغير الموضوع خوفاً مما قد يقول .
كانت روزي بكرت في الذهاب إلى السرير , مدركة أنها لن
تستطيع النوم , لكنها أيضاً , لن تستطيع البقاء مع غارد في الطابق
السفلي . وعندما دخل الغرفة , كانت تتظاهر بالنوم , ويبدو أن ذلك
لم يخدعه , لأنه تقدم منها يقول بلطف :
ـ أعلم أنك مستيقظة يا روزي ! يجب أن نتحدث قليلاً .
رفضت حينذاك بذعر , متكهنة بما سيقول . يريد أن يخبرها بأنه
يعلم مبلغ تعلقها به , لكنه لا يحبها . يريد أن يذكرها بشروط
زواجهما , أن يبدد الوهم الذي يتملكها بعد تلك التجربة العاطفية
الملتهبة . سيقول إن ما بدا لها لم يكن إلا من نسج خيالها .
كانت قد أجابته بحدة وعنف :
ـ لا ! لا أريد التحدث معك ً ليس هناك ما نتحدث فيه !
تراجعت قليلاً وهي ترى فكه يتوتر بغضب . لكنه لم يصر على
الجدال معها , وإنما قال بصعوبة :
ـ لا بأس , يا روزي , إذا كان هذا ما تريدين .
لم تجب حينذاك . لم يمكنها ذلك , وإنما أشاحت بوجهها عنه
متكورة على نفسها. ما كانت تريده حقاً هو حبه . كانت تريده حقاً أن
يعانقها قائلاً إنه يحبها , وإنه لا يستطيع العيش من دونها .
ـ روزي !
ناداها غارد مرة أخرى بحدة تنذر بالشر . فات أوان الهرب الآن !
وبعد أن أصبح في الردهة , سألته دون أن تنظر إليه مباشرة :
ـ ماذا تريد يا غارد ؟ كنت على وشك الخروج لأنني أناوب في
الملجأ هذا المساء . يجب أن أذهب وإلا تأخرت .
قال بلطف :
ـ لا ! إنك لن تعملي في أي مكان , الليلة , يا روزي ! لأن علينا
أن نتحدث هذه الليلة .
قالت بذعر :
ـ لكنني لن أستطيع خذلان رالف ! إنه يتوقع وجودي ! ثم إنهم
يعانون نقصاً في الموظفين بسبب كل تلك الاجتماعات التي يقوم بها
رالف لتجديد عقد الإيجار .
كانت مالك مبنى الملجأ أعلن أنه سيبيعه عندما تنتهي مدة العقد ,
فأخذ رالف يحاول العثور على طريقه يجمع بها المال ليشتريه , ولكن
دون جدوى . حتى إنه طلب منها أن تقترح على غارد شراء المبنى
لهم . وكانت روزي أجابته بضيق :
ـ لا ! لا يمكنني القيام بذلك , يا رالف ! .
كما أنها لم تستطع توفير المبلغ بنفسها لأن أموالها وديعة مجمدة
في البنك .
قالت :
ـ يمكننا التحدث غداً .
قال ساخراً :
ـ أحقاً ؟! هل أنت واثقة من أنك لن تجدي غداً موضوعاً أكثر
أهمية ؟ لا يا روزي . أنا لست رجلاً صبوراً في العادة , ولكنني , أفهم
أن الأمور ليست سهلة بالنسبة إليك . الهرب لا يحل مشكلة , كما
تعلمين . عندما تزوجنا , عقدنا اتفاقاً ينص على أن يبدو زواجنا طبيعياً
تماماً . لهذا , ليس من الطبيعي يا روزي , بالنسبة إلى زوجين في شهر
العسل , أن يمضيا معاً وقتاً قليلاً بهذا الشكل . . .
قاطعته بلهجة غاضبة :
ـ أنت من يتأخر ليلاً على الدوام .
ـ أحقاً ؟ وما أدراك بالوقت الذي أعود فيه ليلاً بينما أنت لست
هنا ؟
منتديات ليلاس
أخذت روزي تحدق فيه . كانت تعرف الوقت لأن إدوارد حرص
على أن يعلمها به , مستغلاً كل فرصة ليخبرها أن غارد لم يعد إلى
البيت قبل الثامنة أو التاسعة . وعندما كانت تعود من عملها الساعة
الحادية عشرة ليلاً , كان غارد بطبيعة الحال يعمل في المكتب .
كرر غارد قوله متجهماً :
ـ لقد عقدنا اتفاقية , لكنك لا تحـــاولين تنفيذهـــا , مفضلة قضـــــاء
كل وقتك في الملجأ , أليس كذلك ؟
قالت بفتور :
ـ يبدو أن هذا أفضل ما يمكن القيام به .
سألها بانفعال :
ـ ماذا ؟ أفضل ؟ أفضل بالنسبة لـــمــــن ؟ لــقــــد بدأ الناس يتكلمـون .
بدأوا يتساءلـــون عن نـــوع هــــذا الزواج , حين نمضي معظم الوقت
متباعدين ! يا إلهي , حتى إدوارد أخذ يتعاطف معي وينصحني محـذراً
من أن الناس أخــــذت تتحدث عن مــقــدار الوقت الــــذي تمضينه مع
رالف . يبدو أن إدوارد أيضــاً يظن بأن رالف يحــــاول إقناعك بتمويل
الملجأ .
سألته بحدة :
ـ هل هذا . . . هل هذا ما كنت تريد أن تحدثني عنه ؟
ـ إنه شيء من أشياء .
شيء من أشياء ؟ وما هي الأشياء الأخرى ؟ أخذت روزي تتساءل
عن ذلك حزينة . أمس فقط أبدى إدوارد تعليقاً على مبلغ ما يبدو
عليها من تعاسة واصفاً إياها بـ (( الحبيبة المهجورة )) , مظهراً شفقة
زائفة , متظاهراً بالأسف لهجران غارد لها , قائلاً :
ـ لا تتهــافتي عليه بهذا الشـــــكل . أمثال غارد يحبون المطاردة ,
الصيد , وأنت جعلت الأمر سهلاً جداً بالنسبة إليه ما جعله يسأم
منك .
سألها غارد برزانة :
ـ هل طلب رالف مالاً منك يا روزي ؟
ـ إنه قلق من ناحية عقد الإيجار واحتياجات الملجأ . . .
قاطعها بغضب :
ـ احتياجات الملجأ ؟! أخبريني , يا روزي , هل فكرت يوماً مـــا
بحاجات أخرى ؟ حاجات شخص آخر ؟ أم أنك عمياء حقاً بحيث
لا . . .
سكت فجأة عندما انفتح الباب ودخل إدوارد الردهة .
ـ آسف ! ( قـــــال ذلك بتكلف وهــــو ينقـــل نظراته بين وجه روزي
الشاحب ووجه غارد الغاضب ) أتراني قطعت عليكما لحظة سيئة ؟
ـ هل كنت تريد شيئاً يا إدوارد ؟
سأله غارد ذلك بضيق دون أن يحول عينيه عن وجه روزي ,
متجاهلاً سؤال إدوارد .
ـ نعم . أريـــــــد التكلم مـــعــك يــــــا غـــارد , إذا لـــم يكــــن لديك مانع .
الولدان سيعودان من المدرسة تقريباً , ومرغريت متخوفة من عدم وجود
أدوات إطفـــــاء الحــريق في الطــــابق العلوي , وأنا أوافقــها على ذلك .
ولأجل الأمــــان , أظن أن علينا الانتقــال إلى الطـــابق الـــذي تحتنا أثناء
وجودهما هنا . . .
اتجهت روزي بسرعة إلى الباب , متجاهلة أمــر غارد لها بحدة :
ـ روزي ! . . . انتظري ! .
ركضت إلى سيارتها متوقعة أن يلحق بها , وفتحت بابها
ودخلت .
كــــان عليهـمـــا أن يتحدثا , لكنها لم تستطع . كانت متخوفة من أن
تسمعه يقول بأنه لم يعد يستطيع الصبر , وأنه سيرحل .
ولكن , ألا يمكن أن يكون هذا هو الأفضــل في الحقيقة ؟ إلى متى
يمكنها الاستمرار في العيش قريبة منه بهذا الشكل , عالمة بمبلغ حبها
له , عالمة بأن إدوارد يراقبهما كل لحظة , عالمة بأن الوقت الذي
يمضيانه معاً يتناقص باستمرار , متخوفة من أن تفضحها مشاعرها ,
ومتوقعة في كل لحظة سماع قوله بأنه لا يريد حبها . . .
في الملجأ , أمضت المساء بطوله قلقة متوترة , غير قادرة على
التركيز في عملها . وتملكها الارتياح عندما انتهى واجبها وصار
بإمكانها العودة إلى البيت .
أول ما لاحظت حين أوقفت سيارتها خــارج المنزل أن سيارة غارد
غير موجودة .
انقبض قلبها وشعرت بالتعاسة رغم أنها حاولت إقناع نفسها بأن
الأمر عادي .
استولى عليها الصـــــداع طــوال المساء , وكانت قــــد تناولت حبتي
أسبرين عندما أطل إدوارد . سألها بلهفة مصطنعة :
ـ أتشعرين بوعكة ؟
ـ لدي صداع !
كرهت عــــادة ظهوره كلما شعرت بعدم الرغبة في رؤيته . بدا
وكأنه يتجسس عليها . قال وهو يراقب ردة فعلها :
ـ غارد خرج .
ـ نعم , لاحظت هذا .
أرادت مغادرة المكان لكن إدوارد أضاف بخبث :
ـ تلقى اتصالاً تلفونياً . . . من امرأة . طلب مني أن أخبرك بأنه
سيغيب طوال الليل .
شعرت روزي بالدم يهرب من وجهها , مدركة بأن إدوارد رأى
ذلك .
ـ آه , يـــا روزي الـــمسكينة ! . . حــظـك سيء أليس كذلك ؟ عــاجـلاً
أو آجلاً سيتركك ! نعم , سيبقى هنــا بـمـــا يكفي لتحقيق مأربه , ولكنه
سئم منك الآن أليس كذلك ؟ شابة في عمرك , ربمـــا يتوقع منــــها أن
تحمل مباشرة . . . هل أنت حامل يا روزي ؟ منذ فترة والشحوب يبدو
عليك . . .
شهقت روزي بغضب بالغ وقالت ثائرة :
ـ هذا ليس من شأنك .
فقال بلطف :
ـ بل هو من شأني , الأمر يهمني تماماً . كــما يهمني هـذا المنـــزل !
أرجو ألا تكوني حاملاً , يا روزي , لأنه إذا كنت كذلـك . . . حســنـاً ,
لنقل إن بقاءك في هذا المكان مخاطرة كبيرة لأنك بحاجـة إلى العنايـة
البالغة , لعلك فهمت ما أعني . غارد لن يكون مسروراً إذا أنت فقـدت
طفله . أليس كــــذلك ؟ سيكـــون مضطراً لتمديد إقامته معك للحصـول
على طفــل , في الوقت الذي يفضل أن يكون مع امرأة أخرى . . . لـم
يمضِ على زواجكــما شـهـــر حتى الآن وها قد مل منك , يا روزي !
اتركيه الآن فما زال أمامك متسع من الوقت . إنه لا يريد سوى
المنزل , إنه لا يريدك ولم يردك قط !
شهقت روزي باكية وهي تندفع نحو غرفتها باحثة عن الأمان .
الأمان ؟ وكيف تشعر بالأمان بعد كلام إدوارد المبطن بالوعيد !
لا بد أنه مجنون , مخبول ! لكنها تعرف أنه ليس كذلك .
ارتجفت بعنف وهي تتكوم في منتصف السرير .
ما المفروض أن تشعر به الآن لو أنها حامل ؟ الغثيان , الخوف ,
الكرب المــبرح ؟ حركتــهــا الغريزية لستــر بطنها بيدها أخبرتها
بالجواب ! .
لا يمكنها أن تستمـــــر بهذا الشكــــل ! حبها لغارد ورغبتـهـــا فيـه , ثم
معرفتها بعدم حبه لها ! العيش بخوف من إدوارد وتهديده ! ولكن , إلى
أين تذهب ؟ إلى الملجأ . وارتسمت على فمهــا ابتسامة مـــرة . . . هذا
غير ممكن !.

ـ أنت لا تأكلين فطورك .
قال ذلك باختصار فأجابت بوجه شاحب :
ـ لست جائعة .
كان الوقت صباح السبت , وهذه المرة لم يكن لديه عمل هام
يجعله يغيب عن البيت.
لم يقل لها شيئاً بالنسبة لرفضها التحدث معه , ولم يقدم أي
إيضاح لغيابه طوال الليل منذ أيام .
كان غارد يقف عندما دخــل إدوارد غرفة الطعام . قال لها شارد
الذهن :
ـ علي أن أخرج بعد قليل . . لا أدري كم سأغيب . ماذا ستفعلين
أنت ؟
قالت دون أن تعني ذلك تماماً , متجنبة النظر إليه :
ـ سأخرج للتسوق .
قال إدوارد ساخراً , وهو يبتسم لهما :
ـ آه , يا لهذه الزيجات العصرية !
لكنه , بعد ذلك بساعة , لم يكن يبتسم عندما صادف روزي على
السلم بعد خروج غارد . قال ينصحها :
ـ كفى تصعيباً للأمور على نفسك , يا روزي . اتركيه . إنه يريك
بوضوح عدم اهتمامه بك , ومدى اهتمامه بها .
ـ بها ؟!
أفلتت هذه الكلمة التي كشفت عن عذابها بالرغم منها . قال
بابتسامة متكلفة :
ـ آه , هــيـــا . . لا يمكنك أن تكــــوني ســـــاذجة إلى هـذا الحــد ! إن
زوجك يغيب الليالي بطولها , وليس هناك سوى تفسير واحـد , أليـس
كذلك ؟ وهو وجود امرأة أخرى , بل عدة نساء , نظراً لسمعة غـارد .
شعرت روزي فجـــأة بأنها لم تعد تحتمل . شـعـــرت بدمــــوعـها على
وشك الانهمار . كل وخزات إدوارد , كــل قسوته , كل تهديداته , كـل
آلام حبها لغارد ومعرفتها بعدم حبه لها , كل هذا أصبح كثيراً
عليها .
خفضت رأسها وهربت إلى أمان غرفتها .
الغرفة , غرفتها , والسرير الذي تشترك فيه مع غارد . تشترك فيه
معه ؟ أغمضت عينيها بشدة على فيض دموعها الحارة .
عندما انهمرت دموعها على وجهها , تناولت وسادة غارد تحيطها
بذراعيها تدفن فيها وجهها , محاولة أن تشم رائحته الخفيفة وكأنها
دواء يخفف آلامها .
ـ روزي ! . . . روزي ما هذا ؟ ماذا تفعلين هنا ؟
غارد ! . . . لكنه خرج ! أجفلت روزي لسماعها صوته دون أن
تجرؤ على الالتفات . سألها :
ـ ماذا حدث ؟ هل تشعرين بمرض ؟ أخبريني . . .
كان واقفاً الآن بجانب السرير , منحنياً عليها ويداه ممدودتان
إليها . وبحزن بالغ , رفعت وجهها إليه .
ـ هل تبكين ؟
جلس بجانبها على السرير , لكنه , كما لاحظت , ما
زال بعيداً عنها .
ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟
ـ لا شيء !.
ـ هل هو رالف ؟ الملجأ ؟ هل . . .
رالف ؟ حدقت روزي فيه . ولماذا تبكي لأجل رالف ؟ قالت
متبرمة :
ـ رالف ؟ ليس لأجله طبعاً .
بدت في عيني غارد نظرة جعلت قلبها يخفق . قال يلح عليها
بهدوء :
ـ حسناً , إذا لم يكن رالف , ماذا إذن ؟ أو بالأحرى من هو ؟
جلست روزي بعنف , مبتعدة عنه قليلاً وهي تقول :
ـ قلت ستخرج ؟!
قال بخشونة :
ـ يمكن تأخير ذلك , أما هذا فلا . ما الأمر يا روزي ؟ ولا تقولي
( لاشيء ) . اللاشيء لا يجعلك تبكين .!
تملكها الذعر وهو يمد يده يلمس وجهها الساخن المبلل بحنان .
إنه حنان مخادع , تماماً مثل نظرته التي بدت في عينيه وكأنها اهتمام
حقيقي ! من الخطأ الفادح أن تنخدع بذلك . أخذت تحذر نفسها بأن
ذلك خطأ شنيع .
لم تستطع أن تخـــبــره بالحقيقة . وكيف يمكنــهــا ذلك بينــــما . . .
وانتفضت فجأة وهي تسمع صوت خطوات شخص في الممر . هتفت
بذعر :
ـ إنه إدوارد , يا غارد ! لا تدعه يدخل ! لا . . .
ـ إدوارد ؟
عندما سمعت نبرة الاستفهام الحاد في صوت غارد , توهج
وجهها . سألها وهو يمرر يده على وجهها برقة :
ـ هل إدوارد هو سبب هذا . . . كل هذه الأمور ؟
عضت روزي شفتها , خـــائفة من الجواب , لكنها لم تستطع أن
تغالب فيض الدموع الحارة التي كشفت عن مشاعرها . سألها :
ـ أخبريني بكل شيء , يا روزي . أريد أن أعلم ما الذي يحدث
هنا . ما الذي فعله إدوارد ليسبب كل هذا ؟
قالت بتعاسة :
ـ لا أستطــيع أرجــــــوك , لا ترغمـــني على ذلك , يا غــارد . أتمنى
فقط أن يرحل عنا . ( وأخذت تبكي ) أكره أن أراه يراقبني , يتجسس
علي ! إنه يعلم يا غارد , أنا أعرف أنه يعلم ! ثم إنه . . .
ـ يعلم ماذا ؟
ـ أن هذا ليس زواجاً حقيقياً . . . إنه يقول ذلك ويهددني .
قاطعها بحدة :
ـ يهددك ؟! روزي , لم يعد بإمكانه أن يفعل شيئاً الآن . ولا بد
أنك تعلمين هذا , مهما كانت أسباب الزواج ونوايانا فقد تلاشت
قدرة إدوارد على تدميرنا وذلك منذ اللحظة التي تحول فيها زواجنا
من الزيف إلى الحقيقة . لم يعد يمكنه القيام بشيء الآن , وليس له
ملجأ قانوني يساعده .
ـ لا . . . لا ملجأ قانونياً له .
قطب غارد جبينه :
ـ روزي , ما الأمر ؟ ماذا تريدين أن تقولي ؟
كانت ترتجف , وجسدها أصبح فجأة شديد البرودة , وشعرت
بما يشبه المرض . قال محذراً :
ـ روزي !
هزت رأسها بيأس , ثم قالت بهدوء :
ـ إنه لا ينفك يقول بـــأن علينا إنهـــاء هــــذا الــــزواج . . . يقـــول إنك
تـحــــاول أن . . . إنـه يــظــن . . . ( خفضت رأسها وقد توهج وجهها
احمراراً , غير قادرة على أن تحمل نفسها على النظر إليه ) إنه يظن أنه
إذا أصبــح لـــدينا طـفــل , سيكـــون حصولـك على البيت مضمونـاً . لقد
تكهن بأن هذا هو سبب زواجنا , يا غارد . حتى إنه هددني . . .
وابتلعت ريقها بصعوبة وابتسمت بابتسامة صفراء :
ـ أخبرني أن في منزل كهذا , سيكون من السهل على أية امرأة أن
تفقد جنينها .
ـ ماذا ؟!
ارتعبت روزي وهي ترى الغضب في عينيه وتسمعه يأمرها بحزم :
ـ إبقي هنا ! .
خرج لأقـل من نصف ساعة , ولمـا عـــاد شعرت روزي بالتوجس
من الجمود والهدوء الباديين على ملامحه .
ما الذي قاله لإدوارد ؟ والأهم من ذلك , ما الذي قاله إدوارد له ؟
أتراه أخبر غارد عن مشاعرها ؟ أتراه . . .
قال بثقة وخشونة :
ـ لقد رحل إدوارد , يا روزي , ولن يعود .
حــدقـت روزي فيه . كيف اسـتــطـــــاع غــارد أن يحمله على الرحــيل
بهذه السهولة والسرعة ؟ كان إدوارد بالغ التصميم على البقاء , وكان
غارد أخبرها بأن من المجازفة البالغة أن يطلبا منه الرحيل .
ـ رحل ؟ وبهذه السهولة ؟
انهمرت من عينيها دموع جديدة , لكنها الآن كانت دموع
الارتياح .
ـ آه ! يا إلهي ! لا تبكي يا روزي !
منتديات ليلاس
اقترب منها , وبدا واضحاً أنه سيضمنها مواسياً , فانتفضت مبتعدة
عنه وقد اتسعت عيناها لأسباب شتى مختلطة .
ـ لا حاجة بك للابتعاد عني وكأنني نوع من . . . أنا لن ألمسك .
ـ أعلم أنك لن تلمسني .
قالت ذلك محولة وجهها عنه عندما شعرت بدموع جديدة ابتدأت
تنهمر . ثم سمعته يسألها برقة :
ـ حسناً , إذا كنت تعلمين ذلك , لمـــاذا إذن . . . روزي . . .
أنظري إلي .
همست تـقـــول :
ـ لا أستطيع ! . . لا أستطيع ! .
ـ بل تستطيعين !
ارتجفت وهو يحيـــط وجهـهــا بيديــه ثم يرفعــه لــيرى عينـهــا
المغرورقتين بالدموع . قال بهدوء :
ـ والآن , إذا كنت تعلمين أنني لن ألمسك , لمــاذا انتــفضــت مبتـعـدة
عني بهــذا الشكـــل ؟
حاولت روزي مغالبة دموعـــها بشــــدة , وارتــجـفت شفتـاهــا وهـي
تفشل في ذلك , ثم اكتسحتها المشاعر حتى لم تعد تستطيع المقاومة ,
فقالت بصوت معذب متهدج :
ـ لأنني أريدك أن تلمســـني . لأنني أحـــبـــك وأريـــدك ولا أستــطيــع
أن . . . غارد . . . غارد . . . !
تبـدد احتــجــاجــها تــحــت وطـــأة عناقه . أخــذها بين ذراعيه بعنف
جعلها تشعر بقوة دقات قلبه المماثلة لدقات قلبها .
ـ روزي! . . روزي .
لم تكد تميز في هذا الصوت العنيف المختنق صوت غارد الذي
تعرفه . ودار رأسها . لا بد أنها في حلم ! .
هل هذا حقاً غارد الذي يحتضنهـا بهـذا الشكل . . ويخبرهـا بمبلغ
حبه لها , وكم كان يحبها على الدوام , وأنه كان يتلهف لسماع ما
قالته لتوها .
قالت وهي ترتجف , وتبعده عنها قليلاً لتنظر في عينيه , والخجل
والارتباك باديان عليها :
ـ ولكن لا يمكن أن تكون أحببتني . كنت دوماً تكرهني . . .
ـ أواه , يا روزي ! أنت فقط تظنين ذلك . . أنت فقط من يستطيع
أن يظن هذا . . . لماذا تظننني تزوجتك ؟
قطبت روزي جبينها :
ـ لأنني طلبت منك ذلك , لأنك أردت المنزل .
ـ كلا , يا روزي ! كنت أريدك و أرغب فيك , أردتك وسأريدك
عل الدوام .
قال ذلك وهو يعد الكلمات التي يقولها على أصابعها , ثم ينحني
ليقبل كل إصبع منها بحنان فائق .
شعرت روزي بكيانــها كله يهتز لردة فعلها إزاء الأحـاسيس التي
تملكتها وهو يقبل أصابعها . شعرت بذلك حتى أخمص قديمها .
ـ لكنك لم تكن تريد الزواج بي ! . أنا التي طلبت منك ذلك . ثم
إنك قلت إنك بحاجة إلى وقت للتفكير . . .
ـ ذلك لكــــي أتـــمـكـــن مـــن السيــطــــرة على نفـسي , والتدرب على
التصرف ببراعة بالنسبة لما تطلبينه مني . كنت محظوظة جداً لأني لم
أختطفك حينذاك . فقـط لأريك . بالضبط , رأيي فــي خطتك عــن زواج
المصلحة ذاك . ربما هذا ما كان علي أن أفعله .
لم تستطع روزي إخفـاء القشعريرة التي سرت في كيانها .
والتوهج الذي أحرق بشرتها .
ـ هل كنت ستحبين ذلك يا روزي ؟
ـ أنا . . . آه , ا غارد ! كيف أحببتني دون أن أدري ؟
ـ بإحباط بالغ وجهنم من الغيرة !
ـ أنت تغار ؟ وممن ؟
ـ من رالف , أولاً , ثم من بريسيه ثانياً . يا إلهي , عندما رأيته
يغازلك . . . اعتبرت نفسي دائماً رجلاً منطقياً رصـــيــنـاً , لكنني تلك
الليلة . . . تملكتني رغبة عنيفة باختطافك وإرجاعك إلى البيت . . .
بيت الزوجية .
قالت بألم :
ـ قال إدوارد إنك لا تحبني , وإنك لم ترغب بسوى البيت ,
قال . . . قال إن لديك امرأة أخرى فظننت . . . لماذا ما دمت تحبني يا
غارد , لماذا لم . . . لماذا لم تقل شيئاً تلك الليلة , ليلة . . .
ونظرت إليه ضارعة , فقال ساخراً من نفسه أكثر مما هو منها :
ـ أواه , يا روزي ! ما أقل ما تعرفين ! كنت كارهاً أن أدع رغباتي
ومشاعري تدمر سيطرتي على نفسي . بعد أن لجأت إلي خائفة
مذعورة تطلبين المواساة والاطمئنان , لم أقصد قط أن . . . ظننتك
غاضبة مني فلم تتحدثي عما حصل .
همست تقول :
ـ وأنا ظننتك غاضباً مني . وعندما استيقظت في الصباح ولم
أجدك . . .
ـ حسبت أنك لا ترغبين في رؤيتي ذاك الصباح !
نظرت إليه بحيرة !
ـ ولكن لا بد أنك أدركت . . . شعرت بأنني . . .
ـ بأنك تجاوبت معي بعاطفة قوية ؟ نعم , أدركت ذلك . لكنك
على الدوام مرهفة الإحساس شديدة العاطفة في كل ما تفعلين !
ـ لكنني كنت واضحة في الموافقة على أن نكــون معاً في غرفة
واحدة !
ـ نعم , كان ذلك واضحاً , لكنني لم أجرؤ على التصديق ,
وتملكني أيضاً شعور بالذنب .
ـ سألته مقطبة الجبين :
ـ الشعور بالذنب ؟ لأنك معي , أنا زوجتك , في غرفة واحدة ؟
ـ هذا بالإضافة إلى أشياء أخرى .
سألته بحيرة :
ـ ما هي تلك الأشياء الأخرى ؟
أجاب وهو يتأملها بإمعان :
ـ المـــوافقة على الــــزواج بـك بدلاً من محــــاولة مساعدتك بــــالعثــور
على طريقة أخرى لتدبر حول الموضوع . ثم انتهاز فرصة قرار إدوارد
بالإنتقال إلى هنا . . .
ـ انتهاز الفرصة ؟ وكيف ؟
ـ بأن جعلتك تنامين في غرفتي . هل ظننت أنني لم أكن أستطيع
الذهاب لإحضار ملابسك لو أردت أنا ذلك حقاً ؟
ـ لكنك لم ترغب في مشاركتي الغرفة . أنت قلت ذلك .
ـ أواه , يا روزي ! طبعاً كنت أريد ذلك ! أردت ذلك وأكثر !
أحاط وجهها بيديه وأخذ ينظر في عينيها .
ـ هــل صدقت حقــــاً أنني لم أكـــن أستـــطيع التخلص مـــن إدوارد أو
طمأنتك إلى أن ليس علينا أن نتشارك في غرفة واحدة إذا كان هذا ما
أريده ؟ هل صدمتك بقولي هذا ؟
هزت روزي رأسها :
ـ بل أدهشتني ! لم يكن لدي فكرة .
قال برقة :
ـ أظنني وقعت في غرامك ليلة العثور عليك متسللة لسرقة صيد
جدك . فتاة صغيرة الحجم , شديدة الحيوية والانفعال . كنت لا تزالين
صغيرة بالنسبة لأمور كثيرة . وفي أمور أخرى امرأة أو , على الأقل ,
هذا ما حدثتني به مشاعري . أما عقلي . . . ( وهز رأسه ) كنت أعلم أن
الوقت ما زال باكراً . كنت صغيرة جداً . حتى إنك لم تحبيني . . .
وبقيت على عدم حبك لي , لكنك كنت تظهرين نحوي مشــاعر
جعلتني أتعلق بالأمل في أنك يوماً ما . . . ربما يوماً ما . . .
قاطعته برقة :
ـ ســأغرم بك ؟
سألها بسرعة :
ـ وهل هذا ما حدث , يا روزي ؟
هزت رأسها :
ـ لا , لم أقع في غرامك يا غارد !
قالت ذلك بحزم , رافعة يدها إلى وجهه بحركة غريزية للتخفيف
عنه بعد أن رأت الألم على وجهه :
ـ الوقوع في الغرام هو للمراهقين , للفتيات , وأنا امرأة . أنا
أحبك يا غارد . أحبك كما تحب المرأة الرجل . . . كلياً وإلى الأبد .
لشد ما تأثرت وهي ترى الدموع في عينيه . مدت يدها تقربه إليها
هامسة :
ـ أواه , يا غار ! . . غارد . . .
بعد لحظات كانت بين ذراعيه وهي تبتسم بحب , ثم قالت
متعجبة :
ـ هل كنت حقاً تغار من رالف ؟
ـ إلى أقصى حد ! وهذا ما استغله إدوارد لمنفعته الشخصية بكل
نجاح .
قالت :
ـ لقد تلاعب بنا , نحن الاثنين . ماذا قلت له لكي يرحل , يا
غارد ؟
أجاب وهو ينحني ليقبلها :
ـ قلت له إنه إذا قال شيئاً يكدرك مرة أخرى , سأجعله يندم على
ذلك بقية حياته . كما قلت له إذا لم يغادر المنزل ويخرج من حياتنا
خلال نصف ساعة , سيجد أموره المالية والعملية معرضة لنوع من
الفحص والتدقيق يجعل كل أنواع الغش والتزوير تبدو , بجانب ما
سيكتشفونه , أشياء عادية .
ـ ظننت أنك سوف . . .
ـ سوف ماذا ؟ هل كنت تفضلين قيامي بشيء آخر ؟
ـ لا . . . لا شيء !.
قالت ذلك وهي تمد ذراعيها تعانقه .

ـ هل ما زلت تحبينني ؟
فتحت روزي عينيها بتثاقل كانت متكورة بجانبه يكاد يغلبها
النعاس بعد فيض الحب الذي ملأ كيانها . أجابت :
ـ أكثر من أي وقت مضى , وأنت ؟
أجاب بهدوء :
ـ نعم ! أكثر من كل ما مر علي في حياتي أو سيمر . إنك حياتي ,
يا روزي . حياتي وحبي . اليوم وغداً وإلى الأبد , أحبك !.


الــنهـايــة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لم أعد طفلة_قلوب أحلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
W.I.T.C.H World :: منتدي القصص و الروايات-
انتقل الى: